الكرة الشاملة : كابوس للكرة الدفاعية المقيتة !!!

الكرة الشاملة ، الكرة الأكثر إمتاعا ، الأكثر جمالا على وجه الأرض ، ارتبطت هاته الكرة ارتبطا وثيقا بآياكس ثم برشلونة والمنتخب الهولندي ، لعل أبرز أسمائها رينوس ميتشلز ، ستيفان كوفاتش ، ليو بن هاكر ، يوهان كرويف وأخيرا وليس آخرا ان شاء الله بيب غوارديولا ، هو أسلوب كروي مبدؤه الأساسي يحوم حول إعطاء الإمكانية للجميع في الملعب بممارسة مختلف الأدوار فيحق للمدافع أن يهاجم ويحق للمهاجم أن يدافع ويحق للجميع المشاركة في اللعب وتبادل الأدوار مع تطبيق شروط أهمها التغطية على من يترك مكانه ومركزه الصحيح في الملعب والضغط المتقدم لاسترجاع الكرة في مناطق الخصم ، الحرص على جعل الكرة بعيدا عن مرمى الفريق ، الحرص على الإحتفاظ بالكرة ، الإحتفاظ بالكرة يجعلك تفكر في إمكانية تسجيل الهدف وينزع من رأسك مخاوف تلقي هدف ، الدفاع المتقدم والضغط المبكر في مناطق الخصم يجعل مرماك في مأمن من تلقي الهدف ، أسلوب الكاتيناتشو المقيت الذي كان يسيطر في الستينات والسبعينات جعل من اللامركزية والتحرك المستمر والدوران وتدويخ المدافعين هو أهم مبدأ من مبادئ الكرة الشاملة لرينوس ميتشلز قبل أن يستلم المشعل مدربين آخرين ، لنتكلم قليلا عن تاريخ هذا الأسلوب الراقي وكيف تحول لكابوس لهيلينيو هيريرا ، مورينيو وأمثالهم من المدربين ، أنصحكم بمشاهدة هذا الفيديو الذي فيه ملخص بمباراة هولندا ضد الأوروغواي سنة 1974 في كأس العالم لتروا روعة هذا الأسلوب { هـنـــاآآآآآآآآ }
البداية : Jack Reynolds
في اليوم ال 23 من الشهر التاسع من سنة 1881 ولد في مدينة مانشستر الإنجليزية شخص ارتبطت حياته كلها بكرة القدم ، بدأ ممارسة كرة القدم منذ سن الثامنة ، لعب بعدة أندية صغيرة ، كان لاعبا متواضعا لعدة أندية متواضعة واعتزل دون أن يسمع أحد به ولا يقام العزاء لتركه عالم كرة القدم كلاعب ؛
عاد هذا الرجل بعد سنة واحدة فقط من اعتزاله كرة القدم كلاعب في نادي إنجليزي مغمور اسمه New Brompton ليكون مدربا لنادي سويسري مغمور هو الآخر اسمه سانت غالين سنة 1912 حيث قضى معهم موسمين لم يحقق فيهما شيء
أنا أتكلم هنا عن أحد عباقرة التدريب في أوائل القرن الماضي واسمه Jack Reynolds ، تذكروا هذا الإسم جيدا لأنه سيكون هو أول من واضع أسس ما سمي فيما بعد الكرة الشاملة

Jack Reynolds
الثنائية Ajax / Reynolds وبوادر الكرة الشاملة
من جهة أخرى هناك نادي هولندي تم تشييده في سنة 1900 ، كان ناديا متواضعا جدا ، لا يملك الأموال ، لا يملك شيء سوى طموح بعض الشباب ، اللذين حاولوا عدة مرات الصعود للقسم الأول للبطولة الهولندية دون جدوى قبل أن يقرر النادي الإستعانة بالخبرة البريطانية ، حيث كانت كرة القدم في بريطانيا أكثر تطورا من غيرها ، وتم التعاقد مع مدرب إيرلندي اسمه جاك كيروان تمكن من جعل النادي يصعد للقسم الأول سنة 1911 قبل ان يعيدهم للدرجة الثانية سنة 1914 ليتسلم مقاليد النادي المدرب الأسطوري لآياكس ، جاك رينولدز الذي بدأ يمهد لبناء فريق قوي ، محترف ، لديه مدرسة لتكوين الشبان حيث نقل هذا المدرب نادي آياكس نقلة نوعية حيث فاز معهم خلال ثلاث فترات تدريبية ب 8 ألقاب دوري هولندي وكأس واحدة وهو النادي الذي استمله رينولدز ب 0 ألقاب
خلال فترة رينولدز التي امتدت مع آياكس لحوالي ربع قرن من الزمن ، كانت أقل فترة زمنية درب فيها أياكس لمدة موسمين فقط بين عامي
1945 و 1947 لكن في هاته الفترة قابل رينولدز أهم رجل في حياته ، دعونا نقل أهم شاب سيحمل المشعل منه ، شاب في الثامنة عشرة من العمر فقط ، صنع أمجاد نادي آياكس كلاعب ومدرب ، وهو المدرب العبقري ، عراب الكرة الشاملة : Rinus Michels
1965 : فان براغ وقرار تاريخي شبيه بقرار لابورتا

بعد إعلان الإتحاد الهولندي لكرة القدم دخول عالم الإحتراف سنة 1954 ، كان آياكس منذ البداية يحاول المنافسة بشكل دائم على اللقب ، كان منافسا شرسا رفقة فينورد روتردام ، فاز بلقبين خلال 11 سنة ، شارك عدة مرات في البطولة الأوروبية لكنه خرج ضد نوادي متواضعة جدا حيث لم يكن آياكس فريقا مهابا من الجميع ، سنة 1965 كان موسم كارثي لآياكس حيث تجنب السقوط بأعجوبة وكان في حالة يرثى لها ليتم إقالة المدرب ويرحل مجلس الإدارة ، يتم تعيين رئيس جديد اسمه Jaap van Praag الذي يتخذ قرار تاريخي صنع تاريخا لآياكس بتعيينه لابن النادي Rinus Michels كمدرب للفريق الأول في قرار شبيه جدا بقرار رأيناه صيف 2008 من قبل رئيس برشلونة لابورتا الذي عين بيب غوارديولا مدربا للفريق وهو الذي لم يسبق له التدريب أبدا على المستوى العال

رينوس ميتشلز الذي استلم فريقا متهالكا ، ضعيفا جدا على المستوى الذهني والبدني سيصنع المعجزة ويفوز بلقب الدوري الهولندي بجدارة بطريقة لعب هجومية ممتعة جدا وذلك موسم 1965-1966 ، بعدها بموسم واحد حقق ميتشلز إنجازا كبيرا جدا بفوزه بثنائية الدوري والكأس في هولندا في إنجاز ليس له مثيل ولم يسبق لآياكس قبلها أن حققه ، استمر ميتشلز في عمله الرائع ، ليس على مستوى النتائج المبهرة فقط ، بل كان يحضر لشيء أعظم على مستوى الفئات الشبانية حيث كون قاعدة قوية جدا تتدرب وفق أسلوب واضح جدا ، أسلوب هجومي ، أسلوب تدريب يعتمد بالدرجة الأولى على خلق الفضاءات ، تبادل ولا مركزية في التحركات ، سجل ميتشلز 4 ألقاب دوري و لقبي كأس هولندا قبل أن تتخذ مسيرة آياكس منعرجا تاريخيا بعد فوز آياكس على أحد أفضل الفرق في العالم حينها { ليفربول } بخماسية حيث بدأ جميع من يحيط بميتشلز يؤمن بفكره ، بأسلوبه القادر على تحقيق المستحيل ، القادر على نقل فريق من قمة الضعف لهرم الكرة العالمية ، استمر آياكس في التطور حتى وصل لنهائي الكأس الأوروبية { رابطة الأبطال الأوروبية } حيث خسر ضد ميلان ب 4-1 سنة 1969 ،
سنة 1971 وصل آياكس مرة أخرى لنهائي البطولة الأوروبية بعد خيبة أمل كبيرة على المستوى المحلي وخسارة الدوري لصالح فينورد ، قابل الفريق اليوناني باناثينايكوس ، سنة 1969 تحجج لاعبي آياكس بقلة الخبرة ضد خبرة نادي الميلان ، هاته المرة كانت الأدوار معكوسة ، الآياكس بخبرة كبيرة ، ضد نادي يوناني لم يسبق له تحقيق أي لقب أوروبي بقيادة المجري الأسطورة بوشكاش كمدرب وفعلا ظهر فارق الخبرة حيث فاز آياكس بهدفين مقابل صفر
رحل رينوس ميتشلز لبرشلونة ، استمر ستيفان كوفاتش في تطبيق أسلوب الكرة الشاملة وقاد آياكس للقبين أوروبيين آخرين بعدما قام بتطوير أسلوب ميتشلز وقدم دروسا كروية للعالم وطرح آياكس أسطوري ليس له مثيل
ستيفان كوفاتش : انتصار الكرة الشاملة على الكاتيناتشو المقيت

ما كان يثير اشمئزازا عاشقي كرة القدم حينها هو شيء اخترعه الأرجنتيني هيلينيو هيريرا { الكاتيناتشيو } ، بصراحة أسلوب دفاعي مقيت للغاية طبقه الإنتر من نهاية الستينات إلى السبعينات ، لم يكن أحد يحب هذا الأسلوب المقيت سوى عشاق الإنتر وبعد من الشراذمة الذين يحقدون على أي منافس للإنتر ، مثلما هو الحال حاليا تقريبا فمطبق الأساليب الدفاعية المقيتة لا يحضون بدعم سوى من يشجع ناديهم أو يكره منافسيهم ، فذلك الأسلوب أصبح هو الأسلوب المعروف الذي رضعته جميع الفرق الإيطالية من الإنتر ، كان يجب أن يأتي شخص ما ويقضي على هذا الأسلوب المقيت الذي جعل من مباريات كرة القدم مملة جدا جدا ، جاء الفرج على يد ستيفان كوفاتش ، هذا الروماني الذي تشبع بأسلوب ميتشلز ضرب أسلوب الطليان في مقتل ، اللا مركزية والتحركات الكثيرة في جميع الإتجاهات ، المدافع يصبح صانع ألعاب ، وسط الميدان يدخل لمنطقة الجزاء ، المهاجم يتحرك ليصبح صانع ألعاب أحيانا وجناح أحيانا أخرى ، هي أشياء دوخت مدافعي الفرق الإيطالية ،
سنة 1972 وصل الإنتر بأسلوب الدفاعي المقيت لنهائي البطولة الأوروبية ليأخذ درسا كرويا قاسيا من أبناء كوفاتش حيث قضى الهولنديين بأسلوب الكرة الشاملة الجميل على الإنتر بثنائية الأسطورة يوهان كرويف
من لم يتعلم فهناك درس آخر بعد سنة واحدة ، اليوفي يتفوق على الجميع ، يصل للنهائي ، قبل أن تتلقى الكرة الإيطالية الصفعة الثانية بهدف جوني ريب الذي قاد آياكس للفوز على يوفنتوس ، لم يعد هناك شك يذكر !!! ، الكرة الشاملة كابوس للكاتيناتشو ، كابوس للفرق الإيطالية ، إنه انتصار كرة القدم على الكاتيناتشو والأسلوب الدفاعي المقيت ، انتصار لكل من يعشق هاته اللعبة الجميلة

لاحظوا خطة كوفاتش هنا وقارنوها بخطة بيب الموسم الماضي ويمكنكم وضع كرويف على أنه ميسي ، ريب على أنه بيدرو و كيزر على أنه دافيد فيا ، تقريبا هي خطة كوفاتش التي لعب بها بيب غوارديولا وطبقها بحرفية تامة
بعد رحيل ميتشلز لبرشلونة قضى مع النادي الكاتالوني 4 مواسم كاملة ، لم تكن ناجحة على مستوى النتائج ، حيث فاز بلقب الليغا مرة واحدة فقط قبل أن يرحل لكنه قدم لبرشلونة تنظيما وأسلوبا كرويا رائعا جلبه من هولندا ، ذلك التنظيم والأسلوب هو الإرث الذي تركه ميتشلز عند رحيله حيث استمر برشلونة في العمل وفق هذا الأسلوب ، قام بتطوير مدرسة لاماسيا ، جعل جميع فرقها تطبق أحدث أسلوب كروي { الكرة الشاملة } ، ميتشلز هو من وضع هاته الأسس ، الهدية الأخرى من ميتشلز كانت جلبه ليوهان كرويف ، هذا الأسطورة الهولندي الذي سوف يكمل المسيرة ويقود برشلونة لإنجازات كبيرة كلاعب ومدرب ، يوهان كرويف الكاتالوني ، نعم كاتالوني قبل أن يكون هولندي فحينما أتى لبرشلونة قال بأنه فضل برشلونة على مدريد لأن الأخير يحظى بمساندة فرانكو ، يا له من تصريح قوي حينها !!! ، جعل من كرويف بطل قومي في كاتالونيا ، جعله مدلل المشجعين الأول ، فما بالك بعد أن ترى سحره كلاعب وأسلوبه التدريبي العبقري المأخوذ من أستاذه رينوس ميتشلز
الكرة الشاملة لهولندا تنسي العالم في برازيل 1970

سنة 1970 انتهى مونديال قوي جدا ، الجميع حينها تحسر على جيل برازيلي لن يتكرر بقيادة بيليه ، غارينتشا ، ريفيلينو ، كارلوس آلبرتو وغيرهم من اللاعبين الكبار ، جيل برازيلي سحر العالم بكرة قدم كبيرة جدا ، فرديات ، لمحات جماعية ، سحر غارينتشا من هنا ، ريفيلينو من هناك ، الجوهرة بيليه من هنا ، كارلوس آلبرتو من الخلف ، لكن في سنة 1974 شهد العالم شيئا جديدا ، شيئا من الخيال ، شيء لا يمكنك وصفه بالكلمات ، شيء باختصار تفضل النظر إليه والصمت ، الإستمتاع بصمت وفقط !!!
منتخب هولندا 1974 كان أفضل منتخب في تاريخ كرة القدم ، هذا لا شك فيه ، كان منتخب يقدم كرة قدم من الخيال ، فاقت بكثير برازيل 1970 التي أبهرت العالم ، العالم حينها كان يعرف طريقتين دفاعيتين وهما : ال Man To Man و ال Zone Defence
1974 شهد العالم أسلوب جديد للغاية ، تدافع 40 مترا بعيدا عن مرماك ، لا دفاع رجل لرجل ولا دفاع المنطقة ، هو طريقة مبتكرة من الدفاع ، جزء لا يتجزأ من خطة متطورة لأسلوب الكرة الشاملة ، الدفاع عن طريق الكتلة ، الضغط العالي ، خطة التسلل المطبقة بحرفية ، الإستحواذ على الكرة وحتى المهاجم الوهمي !!
يوهان كرويف ، آري هان ، رود كرول ، رينزنبرينك ، فيم يانسن ، يوهان نيسكنس ، جوني ريب ، هؤلاء كانوا أبطال الكرة الشاملة ، طبقوا أسلوبا ممتعا ، أذل الأوروغواي والبرازيل وخصوصا الأرجنتين ، الوصول للنهائي دون تلقي أي هدف ، بأفضل هجوم في الدورة ،
البرازيلي ماريو زاغالو حينها قال ، نحن لن نشعر بالعار ، لقد خسرنا ضد أفضل منتخب في هاته الدورة بالفعل !! ، هولندا وصلت للنهائي ضد ألمانيا وسط ترشيحات كبيرة لتفوز باللقب في قلب ألمانيا ، شيء لن يقبله الألمان بخسارة كأس العالم ضد الغريم وعلى أرضهم لكنه الواقع فشتانا بين مستوى المنتخبين في الدورة ، أول دقيقة من المباراة ، 13 تمريرة دون أن يلمس الألمان الكرة ، يهرب كرويف من رقابة بيرتي فوغتس و يعرقل ويحصل على ضربة جزاء يحولها نيسكنز ، إنه الهدف الأول لهولندا ، ليلة سوداء تنتظر الألمان بالتأكيد ، يبدوا أن الألمان انهاروا منذ صافرة البداية ، كرويف لم يعلم حينها أنها آخر مرة سيرى فيها تلك الحرية الكبيرة فقد كان فريسة لبيرتي فوغتس طيلة المباراة الذي كان كظله
النزعة الشريرة تمكنت من عقول اللاعبين الهولنديين ، أرادوا تلقين الغريم درسا في كرة القدم الشاملة ، تمريرات بالجملة ، جعلوا الألمان يلهثون وراء الكرة ، في خضم هذا الإستعراض الكروي الراقي ، نسى الهولنديين شيئين مهمين جدا ، أولهما أن يضيفوا الهدف الثاني ، ثانيهما أنهم يواجهون منتخب اسمه ألمانيا ، سمعته الواقعية !! ، بالفعل ، ينطلق بيرن هولزنباين ويتحصل على ضربة جزء لصالح ألمانيا يحولها بول برايتنر معدلا النتيجة ، في الدقيقة ال 43 ينطلق بونهوف الجناح الألماني على الجهة اليمنى ، يمرر كرة رائعة للأسطوري غيرد مولر الذي يضيف الهدف الثاني وسط فرحة هيستيرية من الألمان وهزة كبيرة وسط الهولنديين
في الشوط الثاني طبق الألمان خطة دفاعية قوية ، فهم مدرب ألمانيا أن خطة هولندا وإن كانت شامله فمفتاحها بين أقدام يوهان كرويف حيث أمر مدافعه Berti Vogts حينها بالإلتصاق بكريف ومراقبته كظله وبالفعل لم يستطع كرويف فعل شيء طيلة المباراة وبالتالي لم تستطع هولندا صنع خطورة كبيرة رغم السيطرة الكاملة على الكرة وهنا بعض الصور التاريخية التي تثبت معاناة كرويف من رقابة بيرتي فوغتس دون أن ننسى العمل الخرافي الذي قدمه وسط ميدان آلمانيا بقيادة الأسطورة فرانز بيكنباور ، أولي هونيس ، فولفغانغ أوفراث ، وشوارزينبيخ في الدفاع رفقة فوغتس الذي في الحقيقة شكل كابوسا لكرويف طيلة المباراة



بعد المباراة قال كرويف حينها أنه لم يسبق أن واجه منتخبا بهذا الإنضباط ، من جهتنا نقصنا لاعب مثل غيرد مولر ، مثلما حاليا ينقص برشلونة مهاجم صريح يسجل الأهداف ، علينا أن نتخيل ميسي مكان كرويف فكلاهما كان يضطر للخروج من منطقة الجزاء وتركها فارغة من دون مهاجم صريح ينهي الهجمة ، لأن دورهما تقريبا واحد ، فبين تكتيك هولندا 1974 وتكتيك برشلونة بيب الحالي لا يوجد اختلاف كبير ، سنة 1974 سقطت الكرة الشاملة ضد الماكينات الألمانية ، سقطت مرة أخرى ضد الأرجنتين وخفت بريقها قليلا قبل أن يعود بعدها بقيادة كرويف { المدرب هاته المرة } عن طريق ما عرف ب برشلونة Dream Team 1 ،
بعدها عاد رينوس ميتشلز مرة أخرى بقوة ومن الباب الكبير سنة 1988 حيث قدم منتخب هولندي قوي جدا ، استطاع الفوز بلقب أمم أوروبا بعد أن انتقم من ألمانيا في عقر دارها في النصف النهائي والفوز على الإتحاد السوفياتي في النهائي حيث كان أبرز نجاح للكرة الشاملة الهولندية عبر التاريخ وبجيل أسطوري لا ينسى بقيادة فرانك رايكار ورونالد كومان في الدفاع ، رود خوليت في الوسط , وماركو فان باستن في الهجوم حيث يتذكر الكل هدفه الخالد في مرمى دازاييف في نهائي أمم أوروبا آنذاك
1994 : سقوط مروع واختفاء الكرة الشاملة لسنوات طويلة

الدريم تيم الكاتالوني بقيادة كرويف ، كان يملك في صفوفه أفضل المواهب على مستوى العالم ، كومان ، لاودروب ، غوارديولا ، باكيرو ، سيرجي ، ستويشكوف وساليناس وزوبيزاريتا بالإضافة لأوزيبيو { مدرب الفريق ب حاليا } وكارلوس رودريغيز ، آليكسانكو بالإضافة لآندوني غويكويتشيا ثم التحاق روماريو ، نادال ، غويرمو آمور وحاجي وغيرهم حيث قدم للعالم فريق لا يمكن إيقافه ، أعاد للأذهان جيل هولندا 1974 ، طريقة لعب ممتعة ، هجومية لا تعترف بالتكتيك الدفاعي العقيم ، لا مركزية ، فنيات عالية جدا خصوصا خصوصا لاودروب وستويشكوف وساليناس ، مدافعين يجيدون لعب كرة القدم بشكل رائع ، لاعبون متكاملين بدنيا وفنيا على مستوى كل الخطوط ، تسديدات بعيدة خصوصا عن طريق الهولندي كومان ، الحل عن طريق الكرات الثابتة خصوصا عن طريق البلغاري ستويشكوف ، الحل عبر الأجنحة من باكيرو وسيرجي وفيرير ورودريغيز وانتهى ذلك الجيل بسقوط مروع في آثينا ضد ميلان كابيلو برباعية سنة 1994
اختفت الكرة الشاملة لسنوات ، ظهر بعد المدربين الهولنديين اللذين حاولوا تطبيقها بقوة خصوصا لويس فان خال وكومان وبعده فرانك رايكارد لكن الحقيقة أنه حتى آياكس الفائز بدوري أبطال أوروبا سنة 1995 كان أسلوبه يختلف جذريا عن مفهوم الكرة الشاملة حيث صفع لويس فان خال بفريق شاب ، فابيو كابيلو وفريقه الميلان الكبير آنذاك وفاز عليه في فيينا لكن نؤكد هنا أنه رغم أن أغلب لاعبي آياكس تلقوا تعليمهم في مدرسة آياكس حينها { عدا ياري ليتمانين وجورج فينيدي } إلا أن أسلوب الفريق الذي لعب به فان خال كان بعيد كل البعد عن مفهوم الكرة الشاملة ، هكذا أراه على الأقل ، حتى حينما أتى فان خال إلى برشلونة كان معرضا لسخط جماهير النادي الكاتالوني فالاسلوب التكتيكي الذي كان يطبقه لم يكن يشبه حتى أسلوب الهولنديين ، هذا لا يقلل من عبقري مثل فان خال لكنه فقط لتوضيح الأمور ،
رايكارد أيضا لم يطبق من الكرة الشاملة في برشلونة سوى الرسم التكتيكي 4-3-3 ، حاول رايكارد تطبيقها ، كان هناك الكثير من المؤشرات التي تدل على ذلك خصوصا مع مجيء رونالدينيو ، لكنه لم ينجح في ذلك ، لم ينجح في نقل أفكار الكرة الشاملة بشكل جيد للاعبيه لكنه استغل تعداداه وحصل على النتائج المطلوبة لكن بعيدا عن الكرة الشاملة التي لم ينجح في تطبيقها مع لاعبيه وانتهى به الأمر بفوضى في غرفة ملابس الفريق ، تطبيق ذلك الأسلوب يحتاج مبدئيا على اتحاد وتعاون كبير بين أعضاء الفريق وتضحيات كبيرة ، تلك الفوضى تعني فشل رايكارد
بيب غوارديولا يحيي كرة القدم من جديد
موسم 2007-2008 عاش نادي برشلونة كابوسا حيث أنهى الموسم الأخير لرايكارد على رأس النادي في المركز الثالث في الدوري ، خسارة مذلة ضد الغريم ريال مدريد 4-1 ، الوقوف في ممر العار ، مشاكل بالجملة في غرف تبديل الملابس ، 0 من الألقاب ، كان النادي بحاجة للتغيير بالتأكيد ، ورغم ظهور أزمة حجب الثقة عن الرئيس لابورتا إلا أن المحامي استمر في عمله كرئيس لبرشلونة ، ومثل رئيس آياكس سنة 1965 فان براغ فقد اتخذ لابورتا قرارا تاريخيا ، بتعيين بيب غوارديولا ، أحد تلامذة كرويف ولاعبيه ، مدربا للفريق الأول وسط معارضة كبيرة على هذا القرار خصوصا من روسيل الذي سخر من لابورتا حينها ،
بعد غياب لحوالي 22 سنة ، ظهر من جديد أسلوب الكرة الشاملة على السطح ، بعد غياب حوالي ثلاثة عقود ونيف ، ظهر مصطلح المهاجم الوهمي أو المهاجم الكامل من جديد عن طريق ميسي هاته المرة بدل كرويف ، حيث اعتمد غوارديولا على الدفاع المتقدم ، الضغط عن طريق الكتلة ، مدافعين بمميزات تقنية عالية جدا مثلما كان رايكارد وكومان سنة 1988 مع هولندا ، ظهر بيكيه وبويول موسم 2008-2009 ، حتى المكسيكي ماركيز كان رائع جدا ، ظهر وسط ميدان يقوم بتضحيات كبيرة جدا من الناحية الدفاعية والهجومية ، يجيد الحفاظ على الكرة ، هجوم قوي جدا بقيادة ميسي وهنري وإيتو ، مساعدين من ظهير هجومي هو داني آلفيش ، مع مرور المبارات ، توالي الإبداعات ، لم يعد هناك مجال للشك ، إنها الكرة الشاملة تعود من جديد ، بل هي أجمل نسخة منها ، أفضل حتى من نسخة هولندا 1974 ، لأن هاته النسخة نجحت في جعل برشلونة يفوز بكل شيء ، 6 ألقاب في أول مواسمه ، غوارديولا !! ، إنه البطل ، إنه خليفة رينوس ميتشلز ، إنه يذكرنا بميتشلز الذي انتشل آياكس ضعيف وصنع منه فريق مرعب على المستوى القاري ، هذا ما فعله غوارديولا بالضبط ، نفخ روحا جديدة في جسد كاتالونيا ، أعاد النظام لغرفة الملابس ، جعل العالم يتذوق الكرة الشاملة ومتعتها من جديد ، أعاد الهيبة للمدرسة من جديد ، عبر إشراكه لعدة لاعبين من مدرسة النادي الذين تعلموا عبر مراحل تكوينهم في لاماسيا أسلوب الكرة الشاملة ولعبوا به لغاية وصولهم للفريق الأول
الآن آياكس بعيد كل البعد عن الأضواء ، برشلونة رحل عنها باعث الكرة الشاملة بيب غوارديولا ، جاء تيتو فيلانوفا ، هل سيستمر في إمتاع العالم بهذا الأسلوب الكروي الراقي ؟؟ ، أم أننا سنضطر للإنتظار سنوات طويلة جدا حتى نرى هاته المتعة من جديد ؟ ، عشاق كرة القدم بالتأكيد سيرفضون ذلك ، الدخلاء على كرة القدم مثل مورينيو وفيكتور فراد وغيرهم ، الحاقدين على برشلونة ، آياكس ، المنتخب الهولندي ، على من يطبق هذا الأسلوب الراقي ، عاشقي الفرق الضعيفة التي تريد صناعة اسم لها بين الكبار عن طريق أساليب كروية مقيتة ، يتمنون زوال كابوسهم الكبير وهو الكرة الشاملة ، الفنية والممتعة ، هؤلاء مستعدين للتخلي عن مبادئ كرة القدم ، مبادئ المنافسة الشريفة من أجل تحقيق لقب ما ، هؤلاء ينظرون لكرة القدم من منظور تجاري وليس رياضي ، هؤلاء دخلاء لا كلامي لي معهم ولا عنهم ، فقد ذكرت رأيي فيهم في هذا الرد 