القسم الأول - الفصل الأول: الزواج المثالي وارتباطه بالتربية
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الأول:الزواج المثالي وارتباطه بالتربية
قبل أن أشرع في بيان الأسس التي وضعها الإسلام في تربية الأولاد يحسن أن أتعرض – ولو باختصار – للزواج من نواح ثلاثة:
(أ) الزواج فطرة إنسانية.
(ب) الزواج مصحلة اجتماعية.
(ج) الزواج انتقاء واختيار.
لأن التعرض لمثل هذه النواحي توضح وجه ارتباط التربية بتحمل المسؤولية، وإنجاب الذرية، والاعتراف بنسب الولد، وسلامة جسمه وأخلاقه، وتأجيج عاطفة أبويه نحوه، وتعاون الزوجين على تربيته وتقويم اعوجاجه، وإعداده إنساناً صالحاً للحياة.
وإليكم بعض التفاصيل في كل ناحية من هذه النواحي الثلاثة:
الزواج انتقاء واختيار
الإسلام بتشريعه السامي، ونظامه الشامل.. قد وضع أمام كل من الخاطب والمخطوبة قواعد وأحكاماً، إن اهتدى الناس بهديها، ومشوا على نهجها كان الزواج في غاية التفاهم والمحبة والوفاق.. وكانت الأسرة المكونة من البنين والبنات في ذروة الإيمان المكين، والجسم السليم، والخلق القويم، والعقل الناضج، والنفسية المطمئنة الصافية.
وإليكم أهم هذه القواعد والأحكام:
1- الاختيار على أساس الدين:
نقصد بالدين – حين نطلق لفظه – الفهم الحقيقي للإسلام، والتطبيق العملي السلوكي لكل فضائله السامية، وآدابه الرفيعة.. ونقصد كذلك الالتزام الكامل بمناهج الشريعة، ومبادئها الخالدة على مدى الزمان والأيام.
فعندما يكون الخاطب أو المخطوبة على هذا المستوى من الفهم والتطبيق والالتزام.. يمكن أن نطلق على أحدهما أنه ذو دين وذو خُلق.. وعندما يكون الواحد منهما على غير هذا المستوى من الفهم والتطبيق والالتزام.. فمن البديهي أن تحكم عليه بانحراف السلوك وفساد الخُلق، والبعد عن الإسلام.. مهما ظهر للناس بمظهر الصلاح والتقوى وزعم أنه مسلم متمسك...
وما أدقَّ ما سنَّه الخليفة العادل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لما وضع الموازين الصحيحة لمعرفة الأشخاص، وإظهار حقائق الرجال، وذلك حينما جاءه رجل يشهد لرجل آخر...
فقال له عمر: أتعرف هذا الرجل؟ فأجاب: نعم!
قال: هل أنت جاره الذي يعرف مدخله ومخرجه؟ فأجاب الرجل: لا.
قال عمر: هل صاحبته في السفر الذي تعرف به مكارم الأخلاق؟ فأجاب الرجل: لا.
قال عمر: هل عاملته بالدينار والدرهم الذي يعرف به ورع الرجل؟ فأجاب الرجل: لا.
فصاح به عمر، لعلك رأيته قائماً قاعداً يصلي في المسجد يرفع رأسه تارة ويخفضه أخرى، فرد الرجل نعم!!.
فقال له عمر: اذهب فإنك لا تعرفه، والتفت إلى الرجل وقال له: ائتني بمن يعرفك.
فعمر رضي الله عنه لم ينخدع بشكل الرجل ولا مظهره، ولكن عرف الحقيقة بموازين صحيحة كشفت عن حاله، ودلت على تدينه وأخلاقه!!..
وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم..".
لهذا كله أرشد النبي صلوات الله وسلامه عليه راغبي الزواج بأن يظفروا بذات الدين، لتقوم الزوجة بواجبها الأكمل في أداء حق الزوج وأداء حق الأولاد، وأداء حق البيت على النحو الذي أمر به الإسلام، وحض عليه الرسول عليه الصلاة والسلام.
- روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت[1] يداك".
- وروى الطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذُلاًّ، ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقراً، ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءة، ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغضَّ بصره، ويحصِّن فرجه، أو يصل رحمه، بارك الله له فيها، وبارك لها فيه".
وبالمقابل أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أولياء المخطوبة بأن يبحثوا عن الخاطب ذي الدين والخلق، ليقوم بالواجب الأكمل في رعاية الأسرة، وأداء حقوق الزوجية، وتربية الأولاد، والقوامة الصحيحة في الغيرة على الشرف، وتأمين حاجات البيت بالبذل والإنفاق.
- روى الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض".
وأية فتنة أعظم على الدين والتربية والأخلاق من أن تقع الفتاة المؤمنة بين براثن خاطب متحلل، أو زوج لا يرقب في مؤمنة إلاًّ ولا ذمة، ولا يقيم للشرف والغيرة والعِرض وزناً ولا اعتباراً؟
وأية فتنة أعظم على المرأة الصالحة من أن تقع في عصمة زوج إباحي فاجر، يُكرِهها على السفور والاختلاط، ويجبرها على احتساء الخمرة، ومراقصة الرجال، ويقسرها على التفلت من ربقة الدين والأخلاق؟
فكم من فتاة – ويا للأسف – كانت في بيت أهلها مثالاً للعفة والطهارة، فلما انتقلت إلى بيت إباحي، وزوج متحلل فاجر، انقلبت إلى امرأة متهتكة مستهترة، لا تقيم لمبادئ الفضيلة أية قيمة، ولا لمفهومات العفة والشرف أي اعتبار!!.
ومما لا شك فيه أن الأولاد حين ينشؤون في مثل هذا البيت المتحلل الماجن الآثم، فإنهم سينشؤون – لا محالة – على الانحراف والإباحية، ويتربون على الفساد والمنكر.
إذن فالاختيار على أساس الدين والأخلاق من أهم ما يحقق الزوجين سعادتهما الكاملة المؤمنة، وللأولاد تربيتهم الإسلامية الفاضلة، وللأسرة شرفها الثابت، واستقرارها المنشود.
2- الاختيار على أساس الأصل والشرف:
ومن القواعد التي وضعها الإسلام في اختيار أحد الزوجين للآخر، أن يكون الانتقاء لشريك الحياة من أسرة عريقة عُرفت بالصلاح والخلق، وأصالة الشرف، وأرومة الأصل، ولكون الناس معادون يتفاوتون فيما بينهم وضاعة وشرفاً، ويتفاضلون فساداً وصلاحاً!!.
ولقد نوه النبي صلى الله عليه وسلم في أن الناس معادن، وأنهم يتفاوتون في الوضاعة والشرف، والخير والشر، بقوله في الحديث الذي رواه الطيالسي، وابن منيع، والعسكري عن أبي هريرة: "الناس معادن في الخير والشر، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا".
لهذا حض النبي صلى الله عليه وسلم كل راغب في الزواج، أن يكون الانتقاء على أساس الأصالة والشرف والصلاح والطيب.. وإليكم طاقة من أحاديثه الكثيرة المتضافرة.
- فقد روى الدارقطني، والعسكري، وابن عدي عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: "إياكم وخضراء الدِّمَن، قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء"[2].
- وروى ابن ماجة، والدارقطني، والحاكم عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: "تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء".
- وروى ابن ماجة والديلمي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تخيروا لنطفكم فإن العرق دسَّاس".
- وروى ابن عدي، وابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: "تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن"، وفي رواية: "اطلبوا مواضع الأكفاء لنطفكم، فإن الرجل ربما أشبه أخواله".
- وروى ابن عدي في الكامل مرفوعاً: "تزوجوا في الحِجْر الصالح فإن العرق دسَّاس".[3]
فهذه الأحاديث بمجموعها ترشد راغبي الزواج، إلى أن يختاروا زوجات ترعرعن في بيئة صالحة، ونشأن في بيت عريق عُرف بالشرف والطيب، وتناسلن من نطفة انحدرت من أصل كريم، وجدود أمجاد!!.. ولعل السر في هذا حتى ينجب الرجل أولاداً مفطورين على معالي الأمور، ومتطبعين بعادات أصيلة، وأخلاق إسلامية قويمة.. يرضعون منهن لَبان المكارم والفضائل، ويكتسبون بشكل عفوي خِصال الخير، ومكارم الأخلاق!!..
وانطلاقاً من هذا المبدأ أوصى عثمان بن أبي العاص الثقفي أولاده في تخيّر النطف، وتجنب عِرْق السوء.. وإليكم ما قاله لهم: (يا بنيّ! الناكح مغترس، فلينظر امرؤ حيث يضع غرسه، والعِرْق السوء قَلَّمَا يُنجب، فتخيروا ولو بعد حين). وتحقيقاً لهذا الاختيار أجاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن سؤال لأحد الأبناء لما سأله ما حق الولد على أبيه، بقوله: (أن ينتقي أمه، ويحسّن اسمه، ويعلمه القرآن).
وهذا الانتقاء الذي وجّه إليه رسول الإسلام صلوات الله وسلامه عليه، يعد من أعظم الحقائق العلمية، والنظريات التربوية في العصر الحديث.. فعلم الوراثة أثبت أن الطفل يكتسب صفات أبويه الخلقية والجسمية والعقلية منذ الولادة.. فعندما يكون انتقاء الزوج، أو اختيار الزوجة على أساس الأصل والشرف والصلاح، فلا شك أن الأولاد ينشؤون على خير ما ينشؤون من العفة والطهر والاستقامة.. وعندما يجتمع في الولد عامل الوراثة الصالحة، وعامل التربية الفاضلة يصل الولد إلى القمة في الدين والأخلاق، ويكون مضرب المثل في التقوى والفضيلة، وحسن المعاملة، ومكارم الأخلاق..
فما على راغبي الزواج إلا أن يحسنوا الاختيار، ويُحْكِموا في رفيق الحياة الانتقاء، إن أرادوا أن تكون لهم ذرية صالحة، وسلالة طاهرة، وأبناء مؤمنون!.
3- الاغتراب في الزواج:
ومن توجيهات الإسلام الحكيمة في اختيار الزوجة، تفضيل المرأة الأجنبية على النساء ذوات النسب والقرابة، حرصاً على نجابة الولد، وضماناً لسلامة جسمة من الأمراض السارية، والعاهات الوراثية، وتوسيعاً لدائرة التعارف الأسرية، وتمتيناً للروابط الاجتماعية. ففي هذا تزداد أجسامهم قوة، ووحدتهم تماسكاً وصلابة، وتعارفهم سعة وانتشاراً!!.. فلا عجب أن ترى النبي صلى الله عليه وسلم قد حذر من الزواج بذوات النسب والقرابة، حتى لا ينشأ الولد ضعيفاً، وتنحدر إليه عاهات أبويه، وأمراض جدوده.
فمن تحذيراته عليه الصلاة والسلام في هذا قوله: "لا تنكحوا القرابة فإن الولد يخلق ضاوياً[4]" وقوله: "اغتربوا ولا تضووا[5]".
ولقد أثبت علم الوراثة كذلك أن الزواج بالقرابة يجعل النسل ضعيفاً من ناحية الجسم، ومن ناحية الذكاء، ويورث الأولاد صفات خُلقية ذميمة، وعادات اجتماعية مستهجنة...
وهذه الحقيقة قررها رسول الإسلام صلوات الله وسلامه عليه منذ أربعة عشر قرناً، قبل أن يأتي العلم ليقول كلمته، ويظهر لذوي الأبصار حقائقه.
وهذه معجزة لرسولنا الأمي العظيم صلوات الله وسلامه عليه، تُضاف إلى جملة معجزاته الباهرة، وإخباراته الصادقة..
4- تفضيل ذوات الأبكار:
ومن توجيهات الإسلام الرشيدة في اختيار الزوجة، تفضيل المرأة البكر على المرأة الثيِّب[6]، لحِكم بالغة، وفوائد عظيمة!.
فمن هذه الفوائد: حماية الأسرة مما ينغص عيشها، ويوقعها في حبائل الخصومات، وينشر في أجوائها ضباب المشكلات والعداوات.. وفي الوقت نفسه تمتين لأواصر المحبة الزوجية، لكون البكر مجبولة على الإنس والإلفة بأول إنسان تكون في عصمته، وتلتقي معه، وتتعرف عليه.. بعكس المرأة الثيب، فقد لا تجد في الزوج الثاني الإلفة التامة، والمحبة المتبادلة، والتعلق القلبي الصادق للفرق الكبير بين أخلاق الأول ومعاملة الثاني.
فلا غرابة أن نرى عائشة رضي الله عنها قد وضحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل هذه المعاني، لما قالت للرسول صلوات الله عليه – فيما رواه البخاري - : يا رسول الله أرأيت لو نزلت وادياً وفيه شجرة قد أكل منها، وشجرة لم يأكل منها، في أي منها كنتَ تُرتِع بعيرك؟ قال عليه الصلاة والسلام: في التي لم يُرْتَعْ منها، قالت رضي الله عنها: "فأنا هي".
وتقصد بيان فضلها على باقي الزوجات باعتبار أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً غيرها. وقد ألمح عليه الصلاة والسلام عن بعض الحِكَم بالزواج بذوات الأبكار، فقال عليه الصلاة والسلام – فيما رواه ابن ماجة والبيهقي - : "عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواهاً، وأنتق أرحاماً، وأقل خِبّاً، وأرضى باليسير"[7].
كما ألمح عليه الصلاة والسلام لجابر رضي الله عنه، أن الزواج بالبكر يولد المحبة، ويقوي جانب الإحصان والعفة، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجابر – وهو راجع من غزوة ذات الرقاع - : يا جابر هل تزوجت بعد؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: أثيباً أم بكراً؟ قلت: لا، بل ثيباً، قال: أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟ قلت: يا رسول الله إن أبي أصيب يوم أحد وترك لنا بناتٍ سبعاً، فنكحتُ امرأة جامعة، تجمع رؤوسهن، وتقوم عليهن: قال: أصبت إن شاء الله".
ومما يشير إليه حديث جابر أن الزواج بالمرأة الثيب قد يكون أفضل من الزواج بالمرأة البكر في بعض الحالات، كحالة جابر رضي اللهعنه التي مر ذكرها، ليتم التعاون في رعاية الأيتام، والعناية بهم، والقيام على أمرهم، تحقيقاً لقوله تبارك وتعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} المائدة: 02.
5- تفضيل الزواج بالمرأة الولود:
ومن توجيهات الإسلام في اختيار الزوجة انتقاء المرأة الولود، وتعرف بشيئين:
الأول: سلامة جسمها من الأمراض التي تمنع من الحمل، ويستعان لمعرفة ذلك بالمختصين.,
الثاني: النظر في حال أمها، وحال أخواتها المتزوجات، فإن كن من الصنف الولود، فعلى الغالب هي تكون كذلك.
ومن المعلوم طباً أن المرأة حينما تكون من الصنف الولود، تكون في الغالب في صحة جيدة، وجسم قوي سليم.. والتي تتوافر فيها هذه الظاهرة تستطيع أن تنهض بأعبائها المنزلية، وواجباتها التربوية، وحقوقها الزوجية على أكمل وجه، وأنبل معنى.
ومما تجدر الإشارة إليه، أن على الذي يتزوج المرأة الولود، ويحرص على كثرة النسل، وإنجاب الذرية، أن يؤدي إليهم ما يترتب عليه من واجب ومسؤولية، سواء ما يتعلق بمسؤولية النفقة، أو مسؤولية التربية، أو مسؤولية التعليم.
وإلا كان مسؤولاً عند الله سبحانه فيما فرط، وفيما قصّر، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: "إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه، حفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته" رواه ابن حبان.
والذي نخلص إليه بعدما تقدم: أن الذي يأنس من نفسه أو ينهض بمسؤوليات الأولاد كما أمر الإسلام فلا يسعه – إن أراد الزواج – إلا أن يفتش عن المرأة الولود ليضاعف من أعداد هذه الأمة المحمدية التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس، وما ذاك إلا من توجيهاته عليه الصلاة والسلام، وذلك حين جاءه رجل يقول له:
يا رسول الله إني أحببت امرأة ذات حسب ومنصب ومال إلا أنها لا تلد، أفأتزوجها؟ فنهاه، ثم أتاه الثانية فقال له مثل ذلك، ثم أتاه الثالثة فقال له عليه الصلاة والسلام: "تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم" رواه أبو داود والنسائي والحاكم.
تلكم هي أهم مبادئ الزواج، وأهم ارتباطاته بقضايا التربية.. فالإسلام يعالج تربية الأفراد من تكوين الخلية الأولى للأسرة، يعالجها بالزواج لكونه يلبي حاجة الفطرة ويساير أشواق الحياة، ولكونه يلحق نسب الأبناء بآبائهم، ويحرر المجتمع من الأمراض الفتاكة، والانحلال الخلقي، ويحقق التعاون الكامل بين الزوجين في تربية الأولاد، ويؤجج عاطفة الأبوة والأمومة في نفسيهما..
ولكونه يقوم على أسس متينة وقواعد عملية صحيحة في اختيار شريك الحياة، والتي من أهمها الاختيار على أساس الدين، وأساس الأصل والشرف، وأساس تفضيل ذوات الأبكار.
ولما يعلم المسلم من أين يبدأ؟ لتكوين الأسرة المسلمة، والذرية الصالحة، والجيل المؤمن بالله... تهون في نظره المسؤوليات الأخرى المترتبة عليه، والمكلف بها.
لماذا؟ لأنه أوجد في بيته حجر الأساس الذي يبني عليه ركائز التربية القويمة، ودعائم الإصلاح الاجتماعي، ومعالم المجتمع الفاضل.. ألا وهو المرأة الصالحة!!!
إذن فتربية الأولاد في الإسلام يجب أن تبدأ أول ما تبدأ، بزواج مثالي يقوم على مبادئ ثابتة لها في التربية أثر، وفي إعداد الجيل تكوين وبناء!!.
ألا فليتذكر أولو الألباب...
============
[1] تربت يداك: كلمة تفيد الحث والتحريض، والدعاء له بكثرة المال، وصار المعنى: اظفر بذات الدين ولا تلتفت إلى المال وغيره.
[2] خضراء الدمن: عشب المزابل.
[3] أحاديث الاختيار على أساس الأصل والشرف ضعيفة بمفردها وحسنة بمجموعها لتعدد طرقها.
[4] ضاوياً: نحيفاً ضعيف الجسم بليد الذكاء.
[5] أرسل إليّ بعض الفضلاء جزاهم الله كل خير، التخريج الآتي:
فحديث: "اغتربوا ولا تضووا" ذكر تخريجه العراقي في تخريجه لأحاديث الإحياء للغزالي، بأن لفظ الحديث المذكور ليس بحديث، وإنما هو أثر ثبت معناه عن الفاروق عمر حين قال لآل السائب: "قد أضويتُم فانكحوا في النوابغ" أي في الغرائب. واشتهر هذا الأثر عن عمر رضي الله عنه برواية أخرى: "لا تنكحوا القرابة فإن الولد يخلق ضاوياً".
[6] المرأة البكر: هي التي لم تتزوج بعد، والثيب: هي التي سبق لها أن تزوجت.
[7] المقصود بعذوبة الأفواه: طيب الكلام، ونتق الأرحام: كثرة الأولاد، وأقل خِبّاً أقل مكراً وخديعة.