رسالة مفتوحة إلى رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم حول أحداث مباراة العراق وفلسطين
إلى مقامِ رئيسِ الاتحادِ الآسيويِّ لكرةِ القدمِ، الشيخِ سلمانَ بنِ إبراهيمَ آل خليفةَ،
أتوجهُ إليكمْ، لا بصفتي مجردَ مواطنٍ عربيٍّ يعشقُ كرةَ القدمِ، بلْ كعينٍ متفكرةٍ في جوهرِ العدالةِ وأخلاقياتِ المنافسةِ الرياضيةِ، وكمُستنكرٍ لكلِّ ما يُشينُ الروحَ الرياضيةَ ويُقوّضُ أسسَ التسامحِ والاحترامِ التي ينبغي أنْ تسموَ بها ملاعبُنا. إنَّ الوقائعَ التي حدثتْ في مباراةِ العراقِ وفلسطينَ في ملعبِ عمانَ ليستْ مجردَ أحداثٍ عابرةٍ، بلْ هيَ تجلياتٌ صارخةٌ لانتهاكاتٍ تهددُ بنيانَ الروحِ الرياضيةِ وتُقوّضُ قيمَ التسامحِ والاحترامِ التي ينبغي أنْ تعلوَ في فضائنا الرياضيِّ.
لقدْ تجلّتْ "هتافاتٌ موثقةٌ بالصورةِ والصوتِ لألفاظٍ عدائيةٍ وعنصريةٍ وسياسيةٍ بذيئةٍ منْ قبلِ الجمهورِ الأردنيِّ ضدَّ العراقِ في مباراةِ العراقِ وفلسطينَ"، الأمرُ الذي يكشفُ عنْ قلقٍ مشروعٍ إزاءَ سلوكياتٍ لا تليقُ برياضةٍ يُفترضُ أنْ تكونَ جسراً للتواصلِ لا مصدراً للفرقةِ. وأؤكدُ لكمْ، سيدي الرئيسُ، أنَّ هذهِ الوثائقَ، بما تحملهُ منْ دلالاتٍ عميقةٍ، موجودةٌ، وهيَ ليستْ مجردَ تسجيلاتٍ صوتيةٍ ومرئيةٍ، بلْ هيَ شهاداتٌ حيةٌ على انحدارِ الخطابِ الرياضيِّ إلى مستوياتٍ مقلقةٍ منَ التعصبِ والكراهيةِ، وهوَ ما يستدعي وقفةً تأمليةً جادةً.
أما الفوضى التي صاحبتْ فتحَ بواباتِ ملعبِ عمانَ أمامَ جماهيرَ أردنيةٍ بشكلٍ مُتعمَّدٍ، وفقدانُ السيطرةِ على أرجاءِ الملعبِ، فهيَ ليستْ مجردَ إخفاقاتٍ تنظيميةٍ عابرةٍ، بلْ هيَ تعبيرٌ عنْ غيابِ المسؤوليةِ والإهمالِ الذي يُعرّضُ سلامةَ الجماهيرِ للخطرِ ويُشوّهُ صورةَ الرياضةِ كملتقىً آمِنٍ وممتعٍ، ويُنبئُ عنْ خللٍ بنيويٍّ في إدارةِ الأحداثِ الرياضيةِ.
إنَّ التهديداتِ التي طالتْ بعثةَ المنتخبِ العراقيِّ والجماهيرَ، والموثقةِ أيضاً بالصوتِ والصورةِ، تتجاوزُ حدودَ التنافسِ الرياضيِّ المشروعِ، لتلامسَ مناطقَ مُظلمةً منَ التعصبِ والعنفِ الذي لا ينبغي أنْ يكونَ لهُ مكانٌ في عالمِ كرةِ القدمِ، بلْ يُعدُّ خروجاً عنْ أبسطِ قواعدِ اللعبةِ النظيفةِ.
أما الإشادةُ بشخصياتٍ مُدانةٍ بجرائمَ إبادةٍ جماعيةٍ، فهو أمرٌ بالغُ الخطورةِ، إذْ يُعدُّ انتهاكاً صارخاً للوائحِ الاتحادينِ الدوليِّ والآسيويِّ لكرةِ القدمِ، وتجاهلاً مُشِيناً لقيمِ الإنسانيةِ والعدالةِ التي يجبُ أنْ تكونَ الرياضةُ في طليعةِ المدافعينَ عنها. إنَّ تكريمَ مثلِ هؤلاءِ الأشخاصِ يمثلُ وصمةَ عارٍ على جبينِ الرياضةِ، ويُرسلُ رسالةً مُخزيةً للأجيالِ القادمةِ، ويُناقضُ جوهرَ الرسالةِ الساميةِ التي تحملها الرياضةُ.
إنَّ كلَّ هذهِ الانتهاكاتِ موثقةٌ وموجودةٌ، ولكنَّ السؤالَ الذي يطرحُ نفسهُ بإلحاحٍ، ويستدعي تفكيراً عميقاً: أينَ هوَ الموقفُ الحقيقيُّ للاتحادِ الآسيويِّ لكرةِ القدمِ تجاهَ العراقِ؟ لماذا يُعامَلُ العراقُ، الذي عانىَ الأمرينِ منْ ويلاتِ الحروبِ والعنفِ، بازدواجيةٍ مُريبةٍ؟ أليسَ منَ الظلمِ البيّنِ أنْ تُنقلَ مبارياتُهُ خارجَ أرضهِ لأسبابٍ أقلَّ خطورةً منَ الانتهاكاتِ التي شهدتها مباراةُ الأردنِ وفلسطينَ؟ إنَّ هذا التباينَ في المعاملةِ يثيرُ تساؤلاتٍ حولَ معاييرِ العدالةِ والإنصافِ التي يُفترضُ أنْ تحكمَ قراراتِ الاتحادِ.
يا شيخَ سلمانَ، إنَّ كرةَ القدمِ ليستْ مجردَ لعبةٍ، بلْ هيَ قوةٌ اجتماعيةٌ هائلةٌ قادرةٌ على التأثيرِ في الشعوبِ وتوحيدها، وهيَ مرآةٌ عاكسةٌ لقيمِ المجتمعِ. وإنَّ الاتحادَ الآسيويَّ لكرةِ القدمِ، بوصفهِ حارساً لهذهِ اللعبةِ في قارتنا، يتحملُ مسؤوليةً أخلاقيةً وتاريخيةً في صيانةِ قيمِها والدفاعِ عنْ نزاهتها، وتوجيهها نحو تحقيقِ أهدافها النبيلةِ.
إنَّ الشعبَ العراقيَّ، الذي عشقَ كرةَ القدمِ حتى في أحلكِ الظروفِ، يستحقُّ منكمْ، ولو لمرةٍ واحدةٍ، إنصافاً حقيقياً وموقفاً شجاعاً يُعلي منْ شأنِ العدالةِ ويُرسخُ مبادئَ الروحِ الرياضيةِ. إنَّ تجاهلَ هذهِ الانتهاكاتِ أو التهاونَ في التعاملِ معها لنْ يُسهمَ إلا في تعميقِ الجراحِ وزيادةِ الشعورِ بالظلمِ والإحباطِ، وتقويضِ الثقةِ في المؤسساتِ الرياضيةِ.
دعونا نتركُ جانباً الحساباتِ السياسيةِ والعلاقاتِ الشخصيةِ، ولنجعلْ صوتَ الحقِ والعدلِ هوَ الأعلى، وليكنْ معيارُنا الأساسيُّ هوَ تحقيقَ العدالةِ وإرساءِ قواعدِ اللعبِ النظيفِ. إنَّ الشعبَ العراقيَّ سيذكرُكمْ بخيرٍ إذا ما أنصفتموهُ، وسيكونُ موقفكمْ هذا بمثابةِ بصمةٍ مضيئةٍ في تاريخِ الاتحادِ الآسيويِّ لكرةِ القدمِ، ودليلاً على التزامِهِ بقيمِ النزاهةِ والعدالةِ.
أقسمُ لكمْ، يا شيخَ سلمانَ، أنَّ ما حدثَ معَ العراقِ لوْ تكررَ معَ أيِّ بلدٍ آخرَ، لقامتِ الدنيا ولم تقعدْ. فلماذا هذا التمييزُ؟ وإلى متى سيستمرُ هذا الصمتُ المُخزي؟ إنَّ هذا التساؤلَ يترددُ في أذهانِ الكثيرينَ، ويستدعي إجابةً شافيةً وواضحةً.
إنني أناشدُ ضميرَكمْ الإنسانيَّ وعدلَكمْ الرياضيَّ أنْ تضعوا حداً لهذا الظلمِ، وأنْ تنتصروا لقيمِ العدالةِ والمساواةِ التي يجبُ أنْ تحكمَ رياضتنا. إنَّ التاريخَ سيشهدُ على موقفكمْ، فاختاروا أنْ تكونوا في صفِ الحقِ والإنصافِ، وأنْ تتركوا إرثاً يُحتذى بهِ في الدفاعِ عنْ قيمِ الرياضةِ.