جمال الخطيب "الغزال الأسمر".. حمله الجمهور بسيارته
فارتقى قمة المجد وضاعت منه فرص الاحتراف في الخارج
المستقبل - الاحد 20 تموز 2008 - العدد 3023 - رياضة - صفحة 22
محمد دالاتي
لم تكلّ يدا جمال الخطيب في صغره، وهو يحفّ مدرجات المدينة الرياضية مع والده وأشقائه، في عمل يومي يبدأ مع ساعات الصباح الأولى، وحتى تتعب الشمس فتغتسل آخر النهار في البحر، تاركة لمخيلة الفتى حلماً بأن يلعب يوماً فوق السجادة الخضراء الكبيرة، ويصير نجماً يهتف له الجمهور من كل زاوية من زوايا الصرح الكبير. ولد حب الكرة في قلب جمال منذ كان في السادسة، وكان يصطحبه أشقاؤه الأربعة ليلعب معهم، حتى صار يهرب من مدرسة "القدس" التابعة للأونروا في حارة حريك لإشباع هوايته التي لا تنضب.
وقال الخطيب او "الغزال الاسمر" عن نشأته الكروية: "مارست اللعبة مع صغار الحي في منطقة أبو سهل قرب البيت، وكنت أرمي ثيابي الرياضية من الطابق الأول الى الشارع، وأنزل عن الشرفة على أحد أعمدة البناية، وأركض الى الملعب فأمضي وقتي فيه، وأعود الى البيت مع المغيب. وحين كبرت، صرت ألعب مع زملائي في المدرسة، وكانت الكرة عبارة عن غطاء عبوة للمشروبات الغازية، كنت أشكل مع أحد زملائي فريقاً، هو للحراسة، وأنا للدفاع والهجوم، مقابل فريق آخر من 4 لاعبين، وكان التحدي صعباً، وهذا ما نمّى موهبتي في المراوغة والتحكم بالكرة فيما بعد".
وكان الخطيب يمارس هوايته مع أنداده الصغار على ملعب الشعلة، (مكان كلية الهندسة التابعة لجامعة بيروت العربية حالياً)، وعلى ملاعب أرض جلول. وصادف أن شاهده مصطفى البابا فعرض عليه الانضمام الى نادي الأنصار على أن يحضر الاجتماع الأسبوعي، مساء يوم السبت، وإحضار 25 قرشاً معه كاشتراك أسبوعي. ولعب الخطيب لجميع الفرق العمرية في الأنصار، ولعب في الدرجة الثانية وهو في الرابعة عشرة.
وشهد الملعب البلدي انطلاقة الخطيب الأولى، وتعهده عدنان الشرقي حين ارتقى الأنصار للدرجة الأولى عام 1968 وصقل موهبته، ولم يلعب مع الأنصار في الدرجة الأولى سوى موسم واحد.
وحصل سوء تفاهم بين الخطيب والشرقي، بعد مباراة للأنصار أمام الصفاء الذي كان يلعب في دفاعه ابراهيم عزو صديق الشرقي، وحصل أن قصد عزو مقر الأنصار كعادته يومياً، وجلس على الشرفة المطلة على ساحة الملعب البلدي، فاغتاظ منه شقيق جمال وهو جميل (أبو علي) الذي كان يلعب للأنصار أيضاً، وحصلت مشادة كلامية بينه وبين عزو، فقررت إدارة الأنصار فصل أبو علي من النادي، عندها قرر جمال أخذ توقيعه، فقال له الشرقي: "خذ توقيعك بيدك من الدرج، فأنا لن أعطيك إياه بيدي"، وانتقل الخطيب الى النجمة.
وقال الخطيب: "أخذني سمير العدو الى عمر غندور، وعرض العدو إعطائي 1500 ليرة في الشهر، فقال له غندور انه مبلغ كبير، وتمّ الاتفاق على مبلغ 1400 ليرة شهرياً. وشاركت في دورة جمال عبدالناصر، وخضت مباراة ضد الأنصار وكنت قائداً لفريق النجمة وسجلت هدف الفوز 1 ـ 0 وشهد ملعب النجمة ولادة نجوميتي في الملاعب، وكانت أرضه مفروشة بالبحص والرمل، وفزت مع النجمة في مباريات كثيرة، إذ كان الفريق في عصره الذهبي".
موهبة خارقة
كان الخطيب يزرع الرعب في قلوب المدافعين والحراس، من دون أن يرهبه أي لاعب، لقدرته على تخطي أي لاعب بسهولة، ما لم يتعمّد اللاعب الخصم عرقلته اومخاشنته، كما كان يجيد إصابة الزوايا الصعبة وخداع الحراس، وكانت تسديداته بالقدم اليمنى قوية أما اليسرى فقليلاً ما كان يسدّد بها إلا من قرب. وهو إمتاز بالتمرير والتفاهم مع زملائه، واحتلال المركز الملائم في الملعب، وكان يصعب على أي مدافع مراقبته بشكل لصيق للحد من خطورته، لأن لياقته وسرعته كانتا تساعدانه على التنقل من مكان إلى آخر بحيث يسبب الارباك لخطوط الفريق المنافس. أما أفضل مزايا الخطيب فكانت المراوغة وهو صاحب أسلوب السهل الممتنع، ولاعبون كثر كانوا يطلبون منه تعليمهم أسلوبه في المراوغة، وكان يقول لهم: "إنها الموهبة التي خلقها الله وخصّني بها. ذات مرة، أصر لاعب قطري اسمه سعيد المسند علي أن أعلّمه طريقتي في اللعب، فدربته عليها مرات، وفي المباراة ضاع منه كل شيء". وامتاز الخطيب بتسديد الضربات الحرة وضربات الجزاء، فضلاً عن السيطرة على الكرة، أما نقطة الضعف لديه فكانت في المشاركة بالكرات الهوائية أو الانقضاض على الكرة أو التسديدات الرأسية. وكان أحب المراكز لديه الهجوم، وقال إن أغلى اللاعبين ثمناً في العالم هم المهاجمون؛ أما أفضل الملاعب اللبنانية ـ برأيه ـ المدينة الرياضية. وشكر الرئيس الشهيد رفيق الحريري على إعادة بنائها بعدما هدمتها إسرائيل بوحشيتها، لكونها الصرح الرياضي الأكبر في لبنان.
أجمل المباريات
خاض الخطيب أجمل مبارياته في لبنان مع النجمة أمام الهلال السوداني، على استاد المدينة الرياضية، وسجل ثلاث إصابات في مرمى الحارس العملاق سبت دودو، وكان في هجوم الفريق السوداني اللاعب كسلا، وتألق الخطيب خلال المباراة تألقاً كبيراً، وفاز النجمة آنذاك 3 ـ 0 وخاض أجمل مبارياته الخارجية مع النجمة أمام دينامو كييف أيام الاتحاد السوفياتي، وكان الخطيب نجم المباراة وخسر النجمة 1 ـ 2. ولا ينسى الخطيب مباراته مع النجمة أمام الهومنمن في المدينة الرياضية في الدوري، وكان الهومنمن متقدماً 1 ـ 0، وحين وصلته الكرة تقدّم بها مناوراً ستة لاعبين وسدد الى الزاوية الأرضية البعيدة محققاً التعادل 1 ـ 1.
كما لا ينسى الخطيب مباراته مع النجمة أمام منتخب جامعات فرنسا، ولعب "الجوهرة السوداء" بيليه حينها مع النجمة، وتبادل مع الخطيب التمريرات، وقال بيليه، بعد المباراة، في حديث متلفز قدّمه الدكتور لبيب بطرس، أنه أعجب باللاعب رقم "8" أي الخطيب. وقال الخطيب: "كنت مرتبكاً خلال المباراة لأنني كنت ألعب إلى جانب أهم لاعب في العالم، وكنت أحرص على مراقبته وهو يتحرك بالكرة ويمررها".
كان الخطيب يرتاح للعب إلى جانب يوسف الغول وحسن شاتيلا وحسن عبود ومحمد حاطوم، وشارك مع منتخب لبنان في تصفيات كأس آسيا 1970 في الكويت في 4 مباريات، ولعب مع منتخب فلسطين مباريات عدة، ولعب لمنتخب قطر، ولمنتخب بيروت الذي كان يضم يوسف الغول وعدنان حمود وسهيل رحال وبسام همدر وأحمد عبدالكريم (التكّي) وشبل هرموش وخالد غزيل ومحمود برجاوي وسعدالدين برجاوي وغيرهم.
كثيراً ما كان الخطيب يراقب ساعة المدينة الرياضية، لأنه كان يعِد بعض معارفه بأن يسجل هدفاً في وقت معين، ويراقب الساعة حتى يحين الوقت وينفذ وعده. وقال الخطيب: "كنت في ذلك الوقت أضاعف جهدي وأعتمد على مهاراتي الشخصية، فأتحرك للوصول الى الكرة، وأراوغ بها، ثم أهز الشباك، وكانت قدراتي لا تخونني لأن ثقتي بنفسي كبيرة".
وسجل الخطيب أجمل إصاباته في مرمى الرياضة والأدب، في دورة 16 آذار 1986، على ملعب الصفاء، فبعد تخطيه سبعة لاعبين من الفريق الطرابلسي، سدد الكرة عن زاوية منطقة الجزاء ودخلت المرمى.
وسجل الخطيب أجمل أهدافه الخارجية مع منتخب قطر، وقال الخطيب: "سافرت الى قطر للمشاركة مع منتخبها في دورة الخليج، وكانت الدورة في قطر، وحصل أن اعترضت السعودية والكويت والإمارات على مشاركتي، وهددت قطر بالانسحاب وهي الدولة المنظمة، فتدخّل أمير قطر وطلب من اتحاد بلده الذي كان يرأسه شقيقه الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني شطب إسمي من التشكيلة، وبعد الدورة صادف جلوسي في المنصة قرب الشيخ حمد لمتابعة مباراة ودية بين منتخبي قطر وإيران، وقارب الشوط الأول على نهايته والنتيجة التعادل من دون أهداف، فاستدعاني الشيخ حمد إليه وطلب مني المشاركة في الشوط الثاني على أن أجلب لفريقه الفوز، فوعدته خيراً. ولعبت يومها بمعنويات عالية وسجلت هدفاً ثم سجّل المصري طه بيومي الهدف الثاني وفازت قطر 2 ـ 0، وقبّلني الشيخ حمد عقب المباراة، وألحّ عليّ أن أحصل على استغنائي من نادي النجمة، وطلبت الإدارة يومها مبلغ 250 ألف دولار وأخفقت المفاوضات".
وخلال التمارين مع فريقه النجمة، أيام المدرب المصري فهمي رزق، سجّل "فريق حبيب كمونة" هدفاً في مرمى "فريق جمال الخطيب"، وذلك على الملعب البلدي، فأخذ الخطيب الكرة من يوسف الغول عند نقطة الوسط، وتقدم بها مناوراً ومعتمداً على جهده الشخصي، وتخطى جميع لاعبي فريق كمونة، وانفرد بالحارس زين الهاشم وتخطاه وسجل هدفاً، فتقدم منه المدرب رزق وأمسك بقميصه، وقال له: "يا مجنون ماذا فعلت؟".
ويتذكر الخطيب مباراته مع النجمة أمام الصفاء على ملعب الأخير، حين كانت النتيجة التعادل 1 ـ 1، وفي الدقيقة 92 من المباراة سجل الخطيب هدفاً برأسه حين اخترقت الكرة سقف المرمى، وجرى إطلاق النار، فخرج الجمهور واللاعبين زحفاً. كما يتذكر الخطيب مباراة النجمة أمام التضامن بيروت على ملعب بحمدون، وكان التضامن متقدماً 1 ـ 0 حتى آخر 17 دقيقة، وكان الخطيب مع ابنه الصغير في الملعب، فطلب منه الجمهور النزول والمشاركة، وفعلاً شارك في اللعب، فمرر الكرة الى زميله محمود شاتيلا الذي أدرك التعادل 1 ـ 1، ثم سجل الخطيب هدف الفوز من كرة مباشرة بيمناه الى الزاوية البعيدة مستثمراً رفعة زميله هيثم الأبرش من الميسرة، وخرج النجمة فائزاً 2 ـ 1.
عروض خارجية
تلقى الخطيب عروضاً كثيرة للعب في الخارج، وبعد مباراة لتفاهم نجمة والأنصار مع منتخب شباب البرازيل في لبنان، قال له المدرب البرازيلي: "كيف تلعب في لبنان وبمقدورك الاحتراف في اي بلد أوروبي"؛ ولعب الخطيب موسماً واحداً في قطر مع فريق الاستقلال (صار اسمه قطر حاليا) ونال الجنسية القطرية بمرسوم اميري من أمير قطر الحالي الشيخ حمد بن خليفة، وأحرز فريقه لقب البطولة، وسجل الفريق 22 هدفاً منها 20 هدفاً للخطيب، وبعدها اعترضت الفرق القطرية لدى الاتحاد القطري، فطلب منه الأمير حمد احضار توقيعه من النجمة والتوقيع للنادي الذي يختاره بنفسه. وحين عاد الى بيروت فوجئ برفض النجمة وعلى رأسها عمر غندور التخلي عنه بأي ثمن، مما اضر بمستقبله.
وسافر الخطيب الى تركيا وشارك في تدريب لفريق فنربهشه، وسجل خلال التمرين الأول 6 اصابات، وكان الوسيط الحكم الراحل سركيس دمرجيان، وفي اليوم التالي نشرت الصحف اللبنانية خبر العرض من فنربهشة، فتوجه جمهور من النجمة الى محل دمرجيان وحطموه، فأعلن دمرجيان انسحابه من التفاوض. وتدخل مدرب النجمة السابق النمسوي فريتز لكي يحترف الخطيب مع أحد النوادي النمسوية، ووفر له بطاقة للسفر لخوض التمارين والاختبار هناك، ولم تكتمل تلك المفاوضات.
ولعب الخطيب لفريق خيطان الكويتي، وقال عن هذه التجربة: "كان الراحل صبحي ابو فروة يلعب في الكويت، فحضر الى بيروت وأقنعني بأن العب لفريق خيطان الكويتي، ولم أتردد في الموافقة، وعدت معه الى الكويت، وكان فريق النجمة مقرراً له ان يلعب ضد التضامن بيروت في الدوري، يوم الأحد، فطلب محمود برجاوي (ابو طالب) من ابو فروة ان يقنعني بعدم المشاركة في تلك المباراة، وصادف ان موعد السفر للكويت كان قبل المباراة، فأكد له ابو فروة أنه سيسدي له تلك الخدمة. وفوجئت بأبو فروة يحضر استغناء نادي النجمة عني من الاتحاد، وقدمه للاتحاد الكويتي، ونشرت الصحف الكويتية خبر توقيعي على كشوف نادي خيطان، وقررت العودة الى بيروت بعد أيام لاحضار بعض الأغراض الشخصية، فاتصل بي أمين سر النادي عاطف سنان وطلب مني ان أتوجه الى مخفر الطريق الجديدة لانهاء بعض الأمور الصغيرة، واستجوبني احد العناصر في المخفر ثم جاء عنصر آخر وقال لي: أنت موقوف، فطار صوابي وأخذ ينزع حزامي وساعة يدي، وقال لي احد الأشخاص وكان برفقتي: اذا استطعت أهرب فورا، فأطلقت العنان لقدمي، ولم ينجح رجال الشرطة في اللحاق بي، والتجأت الي جيران عائلتي من آل القاروط، فآووني، واتصلت بالهاتف الى المنزل فرد علي اخي وقال لي: أين أنت يا مجنون؟ الدولة مطوقة البيت والبحث جار عنك. وجاء أخي وأعادني الى المخفر، فنقلوني الى سجن الرمل، وقضيت فيه أربعة أيام، وقابلني هناك رئيس النجمة وطلب ان يعرف اسم الشخص الذي زور الاستغناء، فقلت له انني لا اعرف، وحين خرجت من السجن قررت الا اعود الى النجمة بتاتاً".
وتلقى الخطيب عرضاً مغرياً للعودة الى ناديه الأول الأنصار، وقال: "قدم احد الانصاريين شيكاً مفتوحاً بالمبلغ الذي يطلبه نادي النجمة، وجرى التفاوض بين شقيقي وعمر غندور الذي عرض مبلغ 50 الف ليرة، ثم مئة الف ليرة، ثم 200 الف ليرة، ثم 500 الف ليرة، وقال غندور لأخي: لو دفعتم مليون ليرة لن أتخلى عن جمال، وأخفقت الصفقة". وجاءت عروض كثيرة للخطيب من نواد أجنبية عدة كان يلعب ضدها في الخارج، لكن ادارة النجمة كانت ترفض التخلي عنه.
حملوا السيارة
لشدة حب الجمهور للخطيب، حمل مشجعوه سيارته الـ"ترانس أم" الحمراء بعد مباراة على المدينة الرياضية أمام الأنصار. وقال الخطيب: "كان الجمهور في المدينة كبيراً جداً، وكادت المباراة تنتهي بالتعادل السلبي، وكان الجمهور قبلها بأيام يقول عني أنني لن أسجل في مرمى فريقي السابق الأنصار، وكانت الاشاعة تجول في داخلي، وفي الدقيقة القاتلة وقبل أن يُعلن الحكم انتهاء اللقاء، خدعت قلبَيْ دفاع الأنصار عدنان الحاج وراشد دوغان وانفردت بمرمى عبد الرحمن شبارو، وسددت الى الزاوية الأرضية البعيدة. ولدى خروجي من الملعب فوجئت بجمهور كبير ينتظرني، فركبت السيارة، وألحّ عليّ بعضهم النزول، وحين لم أنزل فوجئت بالجمهور يحمل السيارة، فأشرت إليهم ووعدتهم بالنزول، فحملوني على أكتافهم وسط تظاهرة من المدينة وحتى المنزل في منطقة الفاكهاني في شارع أبو سهل، وعاد أخي بالسيارة الى المنزل".
ومن طرائف الخطيب أن شقيقته الكبرى أم بشير كانت تتابع إحدى مباريات النجمة على مدرجات المدينة الرياضية، وكان يجلس أمامها أحد المشجعين المهووسين، وكان يكيل السباب والشتم كلما ضاعت فرصة من جمال، ولم تعد أم بشير تحتمل، فصرخت بالمشجع بأعلى صوتها ووجهت له كيلاً من الشتائم رداً على شتائمه لأخيها، ولما عرف أنها شقيقة جمال اعتذر منها، وأكد لها أنه يحب جمال مثلها وليس أقل منها.
وخلال الأيام العصيبة في بيروت، قام الجيش اللبناني بتفتيش بعض المنازل، وحصل أن دخلت ثلة من الجيش الى بيته في الطريق الجديدة، وما ان نظر الضابط الى بعض الصور المعلقة على الجدران، وعرف منها أن المنزل يعود للخطيب حتى أدرك أنه بيت رياضي، وأن صاحبه لا يهوى السلاح، وترك الجيش البيت من دون تفتيشه.
ولشدة حب الخطيب لقيادة السيارات فهو كان يقود بسرعة، وكانت بعض الصحف تحذره من ذلك، وتلفته أنه كنجم يبقى ملكاً للجمهور، ويذكر الخطيب أن سيارته الـ"ترانس أم"، التي اشتراها له أخوته، كانت سبباً في تعرفه الى زوجته هلا السعيدي أم أولاده ونصفه الحلو.
وقال الخطيب انه راض بما حققه من شهرة ونجومية وحب الناس من وراء كرة القدم، "وكان بإمكاني تحقيق شهرة أكبر وجمع ثروة لا بأس بها لولا وقوف ادارة النجمة أيام عمر غندور في وجهي وعدم تخليها عني للعب في الخارج، ويحز في نفسي أنني اعتزلت اللعب من دون مباراة اعتزال".
الإصابة
تعرض الخطيب لاصابة واحدة قاسية خلال لعبه مع النجمة أمام فريق الشرطة العراقي في السبعينيات، اذ تخطى احد اللاعبين، ودفعه اللاعب الآخر بقسوة فانفسخت قدماه وشعر بخروج مفصل وركه الأيمن من مكانه، وكان يشعر بالألم كلما انفسخت قدماه بشدة في اللعب. وخلال وجوده في قطر عاودته الاصابة فعرض عليه المسؤولون السفر الى لندن لعلاجه، فقال انه يعرف طبيباً في بيرت ماهر في معالجة مثل حاله هو الدكتور سمير برغوت، وبعد ايام قليلة فوجئ بالدكتور برغوت وقد احضر الى قطر مع عائلته لمعالجة الخطيب هناك.
وكثيراً ما كان المدافعون يتعاملون بخشونة مع الخطيب للحد من خطورته، وكان يتعرض للضرب واللكم، وقال: "حين كنت في النجمة كنت العب إلى جانب زميلي يوسف الغول وكنت اشير له للاعب الذي يضايقني بخشونته، فينتقم لي". وكان الخطيب يبتعد عن المشاركات التي تتطلب خشونة وقوة، ويحاول استخدام ذكائه للهروب من الاصابة. وأضاف: "خلال مباراة ضد الهومنمن، سجلت في الشوط الأول اصابتين ومع انطلاق الشوط الثاني فوجئت بلاعب يخاشنني من دون كرة، وحين رددت عليه تلقيت بطاقة صفراء، ثم حاول استفزازي مجدداً، وقبل أن أعمد الى ضربه فوجئت بأمين سر النجمة عاطف سنان يطلب إبدالي بلاعب آخر، فخلعت قميصي بعصبية، وتقدم سنان مني وأفهمني أن ذاك اللاعب كان يتعمد إحراجي لإخراجي من المباراة ببطاقة حمراء، فتعلمت درساً". وكانت هذه البطاقة الصفراء الوحيدة في مسيرة الخطيب، ولم ينل بطاقة حمراء أبداً.
مستوى سيء
ورأى الخطيب ان مستوى الكرة حالياً سيء جداً، وأضاف: "منذ نحو عشر سنوات وحتى اليوم، لم أرَ لاعباً مميزاً يستحق لقب "النجم". ولا ارى عروضاً تجذب الجمهور. كانت الكرة في أيامنا تحمل كل معاني الحماسة والروح الرياضية، أما اليوم فتغيّر الحال كثيراً مع بقاء النجمة والأنصار في الطليعة". وقال الخطيب ان اللاعب الوحيد الذي يلفته هو مهاجم العهد ومنتخب لبنان حسن معتوق؛ ولا يزال الخطيب يتابع بعض المباريات المحلية، ويمارس الكرة من وقت لآخر على ملعب حرج بيروت ليحافظ على لياقته البدنية.
واعترف الخطيب بأن إقامة المباريات في الملاعب من دون جمهور هي بمثابة ضربة قوية للعبة الشعبية، أضاف: "هي كالمطرب وسط الصحراء، لا معنى للعب من دون حماسة الجمهور. أذكر حين كنت أسمع هدير الجمهور، وكأنني أطير بالكرة، ولا يمكن لأي مدافع أن يقف في طريقي، وكان جهدي يتضاعف وأسجل الأهداف الصعبة، لأنني أشعر بأنني تحت أنظار الجمهور الكبير في الملعب، وكنت أنتظر الجمهور لدى خروجي من الملعب فأقدم له تحيتي، ولا تزال علاقتي وثيقة بجمهوري حتى اليوم، ومحبة الجمهور ثروة عظيمة بالنسبة لي، وأفخر بها في حياتي".
ويرى الخطيب أن فارق المستوى الفني شاسع بين الأمس واليوم، وقال: "في أيامنا كان أي فريق لا يخلو من 4 لاعبين مميزين على الأقل، وهذه الأيام بات اللاعبون الوسط يُعَدّون على الأصابع. لاعبو اليوم تستهويهم المادة والمرتبات الشهرية أكثر من الشهرة وتصفيق الجمهور، ولا يتأثرون بالنقد في وسائل الاعلام".
وعن الاستعانة باللاعبين الأجانب، أوضح الخطيب ان اللاعب الأجنبي المميز هو ضرورة لأي فريق، فـ"الأجنبي ذو الموهبة بات عملة نادرة في الملاعب اللبنانية؛ في أيامنا كان عدد اللاعبين الأجانب المميزين في كل فريق لا يقل عن اثنين، وعادة ما يكون الأجنبي لافتاً في التشكيلة، وأذكر من الأجانب المميزين الذين تعاقد معهم النجمة قلب الدفاع نهاد ندا وصلاح رشدي ومحمود رشدي وعزالدين يعقوب وطه بيومي وحمادة عبد اللطيف وجمال عبد الحميد وعساف خليفة، وفي الأنصار دايفيد ناكيد وليث حسين، وفي الهومنمن بابكين ماليكيان وفي الهومنتمن وارطان غازاريان".
ورأى الخطيب ان النوادي اللبنانية تبدو غير قادرة على تطبيق الهواية بنجاح، فكيف يمكنها أن تنجح في تطبيق الاحتراف الذي يتطلب الكفاية المادية والادارة الجيدة ودعم المؤسسات والدولة. وأضاف: "سبقنا العالم بسنوات كثيرة في مجال الاحتراف، ونحن ما زلنا نتلمس طريق الهواية، ونواجه صعوبة في تخطي العقبات، هناك أمور كثيرة تحتاج الى تقويم قبل التفكير في التحوّل الى الاحتراف".
وانتقد الخطيب اتحاد الكرة في إصراره على عدم إعطاء النجوم القدامى بطاقات لحضور المباريات، على حين ان المباريات يتابعها من المدرجات مئات الأشخاص الذين يدخلون عنوة الى الملاعب، على رغم قرار الاتحاد إقامة المباريات من دون جمهور. أضاف: "أكثر الذين يتابعون المباريات اليوم في المدرجات يدخلون الملاعب للوجاهة، وبعضهم لا يعرف البطيخة من كرة القدم ويجهل قانون اللعبة. الاتحاد يتشرّف حين يدخل كبار اللاعبين القدامى الى الملاعب لأن الجمهور يعرفهم ويقدّرهم".
البطاقة
* الاسم: جمال صبحي الخطيب.
* مواليد: 10 حزيران 1952 في بيروت.
* القامة: 1.76م.
* الوزن: 66 كلغ.
* النادي: الأنصار والنجمة في لبنان والخيطان الكويتي والاستقلال القطري ومنتخب قطر.
* المركز: مهاجم رأس حربة.
* لاعبه المفضل: عدنان الشرقي محلياً، والمصري صالح سليم عربياً، وبيليه دولياً.
* مدربه المفضل: عدنان الشرقي وسمير العدو وفهمي رزق.
* فريقه المفضل: الراسينغ (في السبعينيات).
* مكتشفه: مصطفى البابا.
* صاحب الفضل عليه: عدنان الشرقي.
* أفضل لاعب مرَّ بتاريخ الكرة اللبنانية: يوسف الغول.
* هوايته الثانوية: متابعة سباقات السيارات.
* الوضع الاجتماعي: متأهل من هلا سعيدي وأب لثلاثة أولاد: محمد ومازن وخالد.
* التحصيل العلمي: توجيهية.
* الهاتف: 445480/03.