العماري اللاعب: جناح لاتيني بأنفاس متعة لا تنقطع
العماري المدرب: مدرسة قائمة بذاتها في الإنضباط والتخيل
العماري الإنسان: يحب لغيره ما يحبه لنفسه
هو الواقع الذي لمسناه ونحن نشيع جنازة الإطار الوطني المرحوم محمد العماري الذي وافته المنية مساء يوم الأربعاء بإحدى مصحات مدينة الرباط، واقع تمثل في الوجوه التي حضرت آخر وقفة وداع للاعب الفريق العسكري سابقا والمنتخب الوطني خلال الستينات والمدرب المحنك الذي أعطى الكثير على صعيد النادي والمنتخب، والذي أدت في حقه أسرة كرة القدم الوطنية شهادات كلها اعتراف بالكفاءة وحسن السلوك وقوة الشخصية والمتاع الكروي الواسع والحس التقني المتميز، خصال أخرى أدلى بها رفاق الدرب من لاعبين، شاركوه التألق أو أجيال تتلمذت على يديه أو زملاء وأطر وطنية أبدت إعجابها بالرجل والتقني والإنسان·
كل هذه الإرتسامات سنقدما بكل وفاء، وفاءا للعماري وللرسالة الإعلامية النبيلة·
سيرة ذاتية نموذجية
- من هو العماري؟ (اللاعب):
من مواليد مدينة برشيد سنة الميلاد 1937·
أول خطواته صحبة إدريس باموس وبوعزة على مستوى فريق المدينة·
إلتحق بالفريق العسكري في سنة التأسيس سنة 1958 عندما أمر مولاي الحسن الأمير ولي العهد آنذاك بخلق فريق تابع للقوات المسحلة الملكية·· فريق تم تشكيله من العناصر المنضوية تحت لواء الجيش الملكي وباقي الأولوية كالدرك والبحرية والطيران، لذا تم استقطاب محمد العماري بحكم أنه كان حديث العهد بالتخرج من مدرسة الدرك الملكي بمراكش··
وكان زملاء التأسيس هم: حسني بنسليمان، العربي، صالح، بناصر، الترغالي، بلمجدوب، عمار، قاسم، عزوز، مصطفى أوشن، المختطف، الزموري، المكي، زناية، الزاز، العربي غلابي·
عملية الإختيار عهد بها للنجم الودادي محمد الشتوكي، حيث كان التجمع بمركز بوصيط بالرباط·
العماري بطل القسم الثاني: في موسم 58ـ59 شارك المرحوم مع فريق الجيش الملكي في بطولة القسم الثاني ليبرز بمؤهلات خارقة، من مميزاته السرعة والتقنيات الفردية العالية والتهديف والذكاء، وهكذا عرفت نهاية الموسم فوز الفريق العسكري باللقب والصعود إلى القسم الأول، وفي نفس الوقت الفوز بكأس العرش بعد هزم مولودية وجدة (1ـ0)·
بطل المغرب أربع مرات: بعد موسم من التأقلم مع البطولة في قسمها الأول وبقيادة الفرنسي "كي كليزو" الذي أبدع أساليب جديدة للتدريب المبنية على اللياقة البدنية العالية، بدأ العماري صحبة الفريق العسكري سلسلة التألقات على صعيد البطولة، حيث فاز العسكريون بلقب موسم (61ـ62)، (62ـ63)، (63ـ64)، (64ـ65)، أما الجيل الذي حقق هذه الإنجازات فيتكون من: علال، باخا، عمار، الترغالي، زناية، المختطف، قاسم، مصطفى، صالح، صويلح، باموس، يوسف، بوعزة (فروج)، بوعزة النجار والعماري
المدرب: كي كليزو
محمد العماري، من العناصر التي شاركت بنجاح في نهائيات دوري محمد الخامس الذي استقطب أكبر أندية العالم، حضوره كان متميزا في سنوات (63ـ64ـ65ـ66)·
كما شارك صحبة المنتخب الوطني العسكري في نهائيات بطولة العالم العسكري، حيث احتل فريقنا الصف الثاني وراء النظير التركي (61ـ62)·
أنهى مشواره الكروي كلاعب في موسم (67ـ68) بعد الإصابة التي حالت دون متابعة المشوار الكروي وهو في أوج العطاء، ومما يدل على حسن الرعاية المولوية أن صاحب الجلالة الحسن الثاني رحمه الله "الأمير مولاي الحسن ولي العهد" أنذاك، سهر شخصيا على إجراء عملية جراحية للعماري بباريس، حيث أقام مع العاهل في نفس النزل·
العماري لاعب مرموق في المنتخب الوطني
جمع المرحوم رصيدا مهما من المشاركات مع المنتخب الوطني، همت إقصائيات كأس العالم وكأس إفريقيا والألعاب الأولمبية والبطولة العربية، عددها 30 مقابلة، وفي ظرف جد قصير من 1962إلى 1968·· وأهم المحطات هي:
إقصائيات كأس إفريقيا (63 بغانا)
نهائيات الألعاب الأولمبية (64 بطوكيو)
فاز مع المنتخب الوطني بكأس منتخبات العرب سنة 1965
العماري المدرب
في سنة 1969: بدأ مشواره مباشرة بعد اعتزاله، حيث أسند له الإطار الفرنسي الذي اقتنع بمؤهلاته كي كليزو مهمة تأطير فريق شبان الجيش الملكي، وذلك للحد من عملية استقطاب لاعبين من أندية أخرى، ومن العناصر التي أفرزها هذا الإختيار بروز الدولي المتألق ادريس واديش·
في سنة 1970: درب فريق اتحاد تواركة على مستوى القسم الشرفي تم البريد الرباطي·
أهم المحطات
- النادي القنيطري ـ مولودية وجدة (74ـ75): فاز باللقب الأول في تاريخ فريق مصطفى بلهاشمي الذي أشار عليه بتشبيب الفريق، وهو الرهان الذي عرف تألق مجموعة من العناصر، سعيد (الحارس) اجوييط، محمد الفلالي الأصغر، بلحيوان، السميري وباقي المجموعة·
إتحاد تواركة: رافق هذا الفريق مرحلة الصعود إلى القسم الأول في موسم (81ـ82)، ثم (82ـ83)·
حقق الصعود مع المولودية (91ـ92) ـ ش·المحمدية (92ـ93) ـ د·الجديدي (93ـ94)، وبذلك يكون العماري صاحب الرقم القياسي الوطني في الإختصاص··
أجمل الذكريات مع الرجاء، وقد قال في هذا الصدد: >كنت مع اللاعب الظلمي أكبر غائبين عن الألقاب·· إذا نظرنا إلى تاريخ المرحلتين اللتين عرفتا إلتحاق العماري بفريق الرجاء مرة أولى بطلب من الرئيس الرتناني وأخرى مع السيد أوزال وهي موسمي (85ـ86 / 86ـ87)، نجد أنها محطة إقلاع فريق الرجاء في إطار التنظيم الإداري وإعداد التحول إلى الفريق الذي يلعب من أجل الألقاب، حيث جاء أول لقب للبطولة في موسم (87ـ88)، وأول لقب قاري في الموسم الموالي (88ـ89)، والفضل كل الفضل للعماري الذي أعطى مجموعة الظلمي الغائب، الأسلوب الذي مازلنا نعيشه اليوم بدليل أن المساعد لم يكن إلا المدرب الوطني الحالي امحمد فاخر الذي بصم لأول مرة في مجال التدريب على أعلى مستوى·
درب الكوكب وأزال ظاهرة الدلع، وهيأ لقب (91ـ92): الفريق الذي كان أكثر دلعا في البطولة بفضل الحاج محمد المديوري كان هو الكوكب المراكشي، فجاء العماري وغير كل شيء انطلاقا من دوري الأندية العربية بمراكش سنة 1989 ·· الثنائي مولاي المامون ومحمد المديوري منحا العماري البطاقة البيضاء لإعادة هيكلة هذا الفريق الذي كان يعج بالنجوم، لكنه لا يحقق أي شيء يذكر·· موسم (91ـ92) جاء بمنتوجه، حيث فاز فريق البهجة بثاني لقب في مشواره منذ لقب (58ـ59) أي 32 سنة بعد أول إنجاز·· هنا كذلك غاب العماري وناب عنه لاعبون أخلصوا لأسلوبه·
تدريب الفتح لكن؟
إذا كان العماري قد وجد في المولودية والرجاء والكوكب أطرافا تأقلموا مع أسلوبه المبنيين على الصرامة والجدية وأسلوب كروي جمعه من تجاربه الكبيرة، فإنه له يجد نفسه القبول والتفهم من طرف الفتحيين الذين كانوا كلهم أصدقاء له بحكم الإقامة في حي "ديور الجامع" ، حيث يتواجد أكبر عدد من أنصار الفريق، لذا لم يطل مقام العماري الذي دخل في مشاكل مع نجوم الفتح الذين كانوا تعودوا ومن الصعب إزاحة العادات·· في الإطار قال لي مؤخرا: >لو كنت أعلم أن فريق الفتح سيصل إلى ما وصل إليه لصمدت حتى أغير العقليات مادامت كل الإمكانات متاحة لهذا الفريق<·
درب فريق القرض الفلاحي وترك بصمات
مازال العماري ينوه بالإطار الوطني عبد المالك النايلي وادريس مرباح اللذان حملا معه عبء إعداد فريق المؤسسة التي كانا ينتميان إلهيا وفريقها الذي كان يحاول ولوج الإحتراف·
النتيجة تألق فريق سبورتينغ سلا في موسم (98ـ99) مع الإطار الوطني بادو الزاكي قبل النزول والإختفاء في نهاية الموسم الموالي بطلب من الإدارة الحاضنة·
العماري مدربا وطنيا
- دوري الصين وأول لقب 1982
أول حضور للعماري المدرب الوطني كان سنة 1982 عندما قاد فريقا وطنيا إستعدادا لدوري العاصمة الصينية بيكين، هناك برزت مؤهلات هذا الإطار والمكتسب الوطني الجديد، والعودة بالكأس كان الأول من نوعه في تاريخ الكرة الوطنية مع الكرة في آسيا بدليل أن مشاركتنا في دوري كوريا لم تكن أنجح·
أما النتائج فجاءت معبرة وهي كالتالي:
المغرب - هون كونغ: 0ـ0
المغرب - الجزائر: 1ـ0 (وكان انتصار رد الإعتبار للكرة الوطنية)
المغرب - الصين: 3ـ3
المغرب - يوغسلافيا: 5ـ4
1983 هيأ منتخب الألعاب المتوسطية
- أدمج بودربالة والحداوي مع زملاء الزاكي لأول مرة
في نفس السياق ونظرا لما جمعه العماري من سمعة طيبة على مستوى اللعب والتعامل مع اللاعبين أسندت له مهمة إعداد المنتخب الوطني الذي كان سيشارك في الدورة المتوسطية بالبيضاء، المجموعة كانت متواجدة ولها تجربة بحكم نحاسية لاغوس بنيجيريا على صعيد كأس إفريقيا 1980، لكن إضافات العماري جاءت لتعطي هذا الفريق نكهة تتمثل في دخول نجمين فضاء المنتخب الوطني والتمركز بقوة والأمر يتعلق بالودادي عزيز بودربالة الذي مازال يشهد للعماري بالكفاءة والرجاوي مصطفى الحداوي أحد أبنائه الروحيين مع الظلمي·· عمل العماري استثمر من طرف البرازيلي "فلانطي" الذي إلتحق بالأسود فوقع ما وقع أي الفوز بالذهب المتوسطي أمام منتخب تركيا (3ـ0)·
1993 أحرز ثاني فضية في بطولة العالم العسكرية
الميدالية الأولى أحرزها العماري كلاعب سنة 1962 عندما تعادل الفريق الوطني العسكري أمام منتخب تركيا الذي كان قد فاز علينا بأثينا·
الميدالية الثانية فاز بها العماري سنة 1993 عندما نظمت التظاهرة بالمغرب وأسندت مهمة جمع وتأطير المنتخب الوطني العسكري لهذه المناسبة التي رافقه فيها الإطار العلوي السليماني الذي يتذكر ويعترف بكفاءة الرجل، يومها لعبنا النهاية ضد الفراعنة الذين فازوا باللقب، وللتذكير فإن من العناصر التي برزت وتألقت فيما بعد مع الأسود في كأس العالم 98·· صلاح الدين بصير الذي يعتبر اكتشاف العماري·
إنسحاب بطل:
كان من الممكن للعماري أن يستمر باعتبار السمعة الطيبة التي نسجها عبر سنوات التدريب والممارسة مع مختلف الأطراف المتدخلة في اللعبة، إلا أن شعوره بأن النهج العام الذي تسير عليه كرة القدم لا يتوافق مع تربية كروية شربها من منبع الفريق العسكري والإطار الذي تتلمذ على يد "كي كليزو"·
العماري درب جل الأندية إلا الفريق العسكري
الظاهرة العجيبة في مشوار العماري كونه درب جل الأندية الوطنية وحقق معها نتائج أسلفناها ذكرا، إلا أنه ورغم انتمائه للفريق العسكري لم يسبق أن تحمل مسؤولية أحفاد المختطف وباموس، ليبقى الجواب مبهما والأكيد أن العماري الذي رفض دائما الحديث عن هذا الموضوع وتبرير الظاهرة لن يفك اللغز·
العماري مدربا خارج الحدود
رحل إلى الشارقة لتدريب الفريق الإماراتي صحبة خليفة بختي، تم بعدها إلى السويق العماني، حيث استقطب النجمين عبد السلام لغريسي وعبد الرزاق خيري·