الدعارة الفكرية .. العهر الكروي .. مصطلحات قرأناها ربما بمقالات كتاب مختلفي المجالات ، لكنني أتذكر بشكل واضح مؤتمر مورينهو مع الإنتر ، حيث صرّح عن إمتعاضه من طريقة تعامل الإعلام مع لاعبين في عدة أندية .. تصريح كان قاسي ، فهكذا الحقيقة ، دائماً ما كانت قاسية و مؤلمة لكل من يعيش في أوهام " أراد البعض أن يُوهمه بها ".

الدعارة الفكرية هو منهج يعتمد الكثير من وسائل الإعلام بمختلف أنواعها ، و الهدف منه هو تحوير الموضوع بشكل تام و البُعد عن جوهر .. و الإعتماد على الهوامش لإقناع المتلقي بالفكرة التي يريدون إيصالها .. فبإمكانهم محو الحقيقة و رسم الفساد بطريقة خبيثة توهم المتلقي أنها حقيقة راسخة ، بل مبدأ أساسي بإماكنه الإعتماد عليه في بناء كل أفكاره و نقاشاته .. طريقة سبُق إستخدامها في العديد من الثقافات الماضية .. فلتمرير معلومة للمتلقي بشكل لا يقبل الشك ، يجب عليك أن تبدأ خلال تحليلك بمعلومات بديهية لا تقبل الجدال أو التفكير ، و تجعل المعلومات " المُحرفة " تحتل وسط تحليلك ، فعندما يرى المتلقي مدى صدقك في المعلومات البديهية - التي تكون غالباً هامشية مقارنة بالفكرة التي تريد طرحها - . لن يشُك بشكل كبير في المعلومة " المُحرفة" المراد تمريرها له .

الدعارة الفكرية متجلاّة بالوسط الرياضي بشكل كبير جداً ، خصوصاً من إدراة الأندية و القنوات التلفزيونية .. فبرشلونة على سبيل المثال يصور للعالم أجمع أنه النادي الذي يفوز بأخلاق لاعبيه قبل أي شيء آخر ، هو النادي الذي يساند على قميصه اليونيسيف و لا يهتم بالمال ، النادي الذي يساعد الشباب على صقل مواهبهم ، النادي الذي يعتمد على مدرسته دون الحاجة لصرف أموال طائلة كباقي الأندية .. هو مجرد من أكثر بتاع ، أو أكثر من مجرد بتاع .. كما تشاؤون .

من حق كل نادي الترويج لنفسه بالطريقة التي يراها سليمة .. لكن طريقة ترويج إدارة برشلونة لناديها بهذه الصورة الملائكية ، هو أكثر من مجرد كذبة .. فنادي برشلونة يساعد يونيسيف بالتأكيد ، لكنه مضى عقد رعاية قياسي من جمعية قطرية ( في رواية خيرية ، و بالواقع ستدفع الملايين كل سنة ) . كما أن نادي برشلونة يعتمد على مدرسته بالتأكيد ، لكنه صرف خلال ثلاث سنوات حوالي 200 مليون يورو على اللاعبين الذي إستقطبهم ( دون حسبان المرتبات ) .. أما جانب الأخلاق فلا أهتم به و لكلٍ تقديره .. برشلونة نادي ككل الأندية الكبيرة يقوم بنشاطات عديدة .. لكنه ليس نادٍ فاضل و لاعبوه ليسوا قدوة .

نفس الوضع يتجلى بالإعلام ، و سأخد مثال الجزيرة الرياضية بصفتها القناة الأكبر إعلامياً بالوطن العربي .. و الراعي الحصري للعهر الكروي العربي بعقد ممتد لسنة غير محددة -لحد الآن على الأقل- .. فالجزيرة الرياضية دائماً ما تسلط الضوء على القضايا التي تدعمها ( و هذا أمر ليس غريب على كل قنوات الجزيرة ) ، و تشوه صورة كل من يعارضها ، و الآفة الكبيرة في ذلك هو تأثر شبابنا بهذا الإعلام و إتخاده مصدر غير قابل للشك أو المناقشة ، على الرغم من سهولة الوصول للمعلومة من مواقع و قنوات " ذات مصداقية عالمية " .. لكن كسلنا الوراثي ككائن عربي ، مجهول الهوية ، منعدم الشخصية .. يجعلنا دائماً ما نعتمد على الأمور الجاهزة ، دون النظر لقوة مصدرها أو مدى مصداقيته .. فلو سألت أي كائن من متابعي الكرة ببركات الجزيرة عن ريال مدريد و برشلونة ، سيجيبك أن ريال مدريد النادي الذي يصرف الملايير كل سنة ، و برشلونة هو النادي الذي لا يدفع سوى مرتبات لاعبيه الذين ولدوا و تربوا و رضعوا من صدر لامسيا .. ريال مدريد هو النادي الذي يملك مدرب المغرور الذي نجاحه سببه فقط الأموال و التحكيم و الحظ و السحر و الشعوذة ، بينما مدرب برشلونة هو الفيلسوف المقدس الذي يعمل مقابل لقمة عيشه فقط .. الشخص الذي يتقاضي مقابل خدمته عشق النادي و الجماهير .. ريال مدريد هو النادي الذي يملك اللاعب الأكثر غروراً على البسيطة ، و برشلونة هو الذي يملك أسطورة الأساطير ، نجم الجيل ، الكينج تامر حسني .. قصدي ليونيل ميسي . و هلم جرى من الأمثلة الكثيرة التي تقدمها لنا القناة الرائدة بإمتياز ، المحترفة في مجال الدعارة الفكرية ، و التي إستوحى منها جيل - ليس بالهين - كل أفكاره التي صدّع (أوجع) راسنا بها .

الدعارة الفكرية لها تأثير كبير علينا نحن جميعاً ، فبإستخدامها بإمكان ( من هم ورائها ) بالتحكم في عقولنا ، و تسييرنا بالشكل الذين يرغبون فيه .. فالدعارة الفكرية هي البطل ، و هي القصة ، بل و باتت هي المؤلف !. فنحن لا نستطيع المقدرة على تأكيد حضورنا سوى بآرائنا نحن ، أراءٍ مستقلة و حاسمة بعيدة عن التأثر بالآخرين .