كتب/ الباحث الموسوعي: علي البدراوي

ملعب الشعب

في أواخر عام 1959 أستقبل الزعيم عبد الكريم قاسم (رئيس وزراء الجمهورية العراقية) بمكتبه في وزارة الدفاع وفداً رفيعاً من مؤسسة (كالوست كولبنكيان) للاعمال الخيرية والتعليمية والفنية والعلمية التابعة لرجل الأعمال الأرمني الراحل في عام 1955 كالوست سركيس كولبنكيان.. تلك الشركة كانت تستحوذ آنذاك على نسبة 5% من أسهم شركة النفط العراقية
(IPC). كحصة ثابتة لها، وكانت تعمل بالعراق تحت عنوان "شركة نفط العراق" بعد أن غيّرت إسمها في عام 1929.

كولبنكيان

فحوى اللقاء كان يخص عرض الشركة الذي قدمته لحكومة العراق، والقاضي بمنح نسبة من المُنحة الثابتة من النفط العراقي المخصصة لها لتنفيذ مشاريع تنموية وإعمارية في بغداد، على أن يكون اختيار تلك المشاريع ونوعيتها للحكومة العراقية، والريع "من حصة العراق النفطية" مقدما من الشركة التي تحتكر خمسة بالمائة منه.

وأخيرا تمخضت عن تلك الاتفاقية صروحا مقترحة من قبل حكومة العراق وممولة من قبل مؤسسة (كالوست كولبنكيان) وهي:

المتحف العراقي – المسرح الوطني – مدينة الطب - ملعب الشعب الدولي لكرة القدم.

اضافة الى ما يقارب من الـ100 زمالة دراسية عراقية لأرقى الجامعات في الولايات المتحدة وبريطانيا لتخريج الكفاءات التي تخدم الوطن.

لكن ما لم تذكره المصادر التاريخية "التي عثرنا عليها مؤخرا" هي أن الاعلان التاريخي عن انشاء ملعب الشعب الدولي كان قد جاء من خلال خطاب الزعيم عبد الكريم قاسم الذي ألقاه في ملعب الكشافة بتاريخ الحادي والعشرون من نيسان/أبريل من عام 1960 وأمام أكثر من 15 ألف مواطن والذي أعلن فيه انشاء ملعبا رئيسيا بالعراق اسمه ملعب الشعب.

افتتح الملعب رسميا في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1966 علما أنه بعد ثلاثة أيام من افتتاحه تم افتتاح المشروع الاخر في بغداد ضمن خطة الشركة مع الزعيم وهي البناية الجديدة للمتحف العراقي في منطقة العلاوي والتي هي أيضا من ريع شركة كالوست كولبنكيان والتي كان قد وضع حجرها الاساس الزعيم عبد الكريم قاسم في إحدى المناسبات كصرح عراقي آخر إسوة بملعب الشعب .. اذا تم افتتاح المتحف العراقي في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1966 من قبل الرئيس الراحل عبد الرحمن عارف.

عبد الكريم قاسم وملعب الشعب:

من خلال عدة شهادات "نوجز منها ثلاثة" توصلنا الى قناعة مفادها أن فكرة بناء (ستادات رئيسية بالعراق) كانت تراوح منذ أيام سلطته الاولى مُخيلة الزعيم عبد الكريم قاسم،، ففي حوار اذاعي أجرته اذاعة العراق الحر من براغ بتاريخ 19/11/2009 قال اللاعب العراقي المغترب ألبرت خوشابا ما نصه:

-حضر الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم المباراة النهائية لدوري الجيش بين فريقي القوة الجوية والفرقة الثالثة. وبعد إنتهاء المباراة إجتمع بنا الزعيم، وطلب منا أن نعرض عليه إحتياجاتنا، وكل مشاكلنا، فطلب بعض اللاعبين دوُراً سكنية، والبعض الآخر طالب بتحسين ظروفه المعيشية، وحين وصل الدور لي قلت له:

 نريد ملعباً دولياً يا سيادة الزعيم، فملعب الكشافة ملعب صغير، وبائس (وكله طسَّات وعٍكَّر)، فضحك الزعيم، وقال: إتدللوا، راح نبنيلكم ملعب كبير. فكان ملعب الشعب بعد ان أتفق الزعيم مع شركة كولبينكان!.

-وفي شهادته أيضا يقول اللاعب السابق مؤيد محمد صالح (ابن شقيقة الزعيم عبد الكريم قاسم) بأن خاله ولاكثر من مرة كان يقول أن في مخيلته انشاء أكثر من صرح رياضي بالعراق والشرق الاوسط فكنت أول من عرف بأتفاق الزعيم مع شركة كولبنكيان والقاضي بإنشاء ملعب الشعب.

-لشدراك يوسف تصريح تاريخي يخص علاقة الزعيم عبد الكريم قاسم ببناء الملعب، مفاده:

في أوائل الستينيات زار وفد من شركة الاستثمارات النفطية (كولبنكيان) الزعيم الراحل عبدالكريم قاسم في مكتبه بوزارة الدفاع مهنئا لمناسبة ترقية الزعيم الى رتبة لواء حاملاً معه هدية تقديرية ومبلغًا من المال لشخص الزعيم فالتفت عبدالكريم قاسم الى وزير التخطيط مستفسرًا عن كلفة بناء ملعب رياضي فقدرها بمليوني دينار فطلب عبد الكريم قاسم بمضاعفة مبلغ الهدية واخبره بتحويل الهدية الى رياضيي بلده لبناء ملعب الشعب الدولي. وبعد اربع سنوات انجز الملعب وهي فترة زمنية قياسية آنذاك ساهمت في بناء شركة كولبنكيان وبأموال عراقية ومن حصة نفط العراق.

ملعب آخر في بغداد.. مات بموت الزعيم!

كإضافة بسيطة على عرضنا التاريخي الخاص بملعب الشعب الدولي نقدم لقراء بحثنا حقيقة تاريخية أخرى تكمن بنية الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم بإنشاء ملعبا رئيسيا آخر بالعاصمة بغداد يضاهي ملعب الشعب من حيث الفخامة، ومكانه قرب ملعب الكرخ الحالي (الادارة المحلية سابقا) مقابل معرض بغداد الدولي مع منشآت رياضية أخرى ملحقة به لتكون مدينة رياضية مُصغرة وفقا  للوثيقة التاريخية الواردة في أدناه:

أرقام عن ملعب الشعب:

- كلفة البناء (مليون دينار عراقي)

- المساحة الاجمالية 200 ألف متر مربع

-  السعة الاجمالية 45 ألف متفرج

-  مضمار لالعاب القوى مغطى بالتارتان

- يحتوي على 18 بوابة دخول موزعة على الجهتين

-أبراج إنارة ترتفع عن الأرض بمسافة 55 مترا على وفق المواصفات العالمية.

- مساحة خارجية لوقوف السيارات تبلغ 40 الف متر مربع تسع لوقوف 4 الاف سيارة.

الافتتاح

كانت شركة كالوست كولبنكيان قد فاتحت نادي بنفيكا البرتغالي والذي كان قد احرز آنذاك لقب الوصيف لنادي مانشستر يونايتد في دوري ابطال اوروبا (كأس الاندية الاوروبية) آنذاك في اعقاب خسارته (2-4) في الوقت الاضافي للحضور الى بغداد وافتتاح ملعبها الرئيس مقابل مبلغ خيالي طلبه من الشركة لقاء مشاركة جميع لاعبي منتخب البرتغال والذين يلعبون مع بنفيكا وفي مقدمتهم هداف كأس العالم 1966  وجوهرة موزمبيق اوزيبيو. وافق نادي بنفكيا على العرض لزيارة العراق بجميع لاعبيه باستثناء الكابتن كولونا والذي اصاب بيليه في ركبته في العام ذاته عندما خسرت البرازيل امام البرتغال في مونديال انكلترا
(1-3).

أفتتاح الملعب كان بتاريخ  6/11/1966 في مباراة جمعت منتخب بغداد الاهلي بنادي بنفيكا البرتغالي .. تشكيلة منتخب بغداد الاهلي كانت تضم كلا من:

حامد فوزي لحراسة المرمى – حسن بله ، جبار رشك ، حسين هاشم ، صاحب خزعل لخط الدفاع – شدراك يوسف ، باسل مهدي لخط الوسط كوركيس إسماعيل ، قيس حميد ، ألبرت خوشابا ، قاسم محمود لخط الهجوم .

تشكيلة بنفيكا البرتغالي:

كوستا براير لحراسة المرمى وكوفن والبيرتو وجانيو وانجيلو وكروش وسانتانا وولسن واغستو واوزيبيو وسيماش

قاد المباراة الحكم الدولي فهي القيماقجي بمساعدة كل من صبحي اديب وسعدي عبد الكريم

النتيجة : فوز نادي بنفيكا البرتغالي بنتيجة 2 – 1

سجل هدف منتخب بغداد الاهلي اللاعب قاسم محمود الشهير بـ"قاسم زوية"

الحكام :

فهمي القيمقجي حكم الساحة

سعدي عبد الكريم المساعد

صبحي أديب المساعد

حقائق!

منذ انشاءه إمتاز هذا الصرح بأسرار وغرائب عدة..أولها ندرة البطولات التي أحرزها العراق على أديمه.. إذ أنه ومنذ عام 1966 وخسارة الافتتاح مع بنفيكا لغاية مباراة العراق والبحرين بتاريخ 28/9/2001 الدولية في تصفيات كأس العالم (مونديال 2002). لم يشهد ملعب الشعب الدولي تتويجا عراقيا عليه الا مرتين، كانت أولها في بطولة كأس العالم العسكرية عام 1972 والثانية في بطولة كأس الخليج الخامسة عام 1979على أرضه ايضا.

 فإن كانت الكرة العراقية تفخر بالانجازات التاريخية لفرقها (بطولات اسيا للشباب وبطولة أمم آسيا 2007 على ملعب جاكارتا والتأهل الى كأس العالم عام 1986 من ملعب الطائف والفوز بكأس العرب على ملاعب والكويت والكشافة والطائف وعمّان والفوز بذهبية الدورة الرياضية العربية في المغرب وغرب آسيا في دمشق وكأس فلسطين في المغرب والتأهل الى الدورات الاولمبية من ملاعب سنغافورة ومسقط وعمّان والظفر بدورة الالعاب الاسيوية في دلهي) فأن ملعب الشعب الدولي لم يشهد ايا من تلك الانجازات بإستثناء الانجازين  الوديين المذكورين في أعلاه.

فعلى أرض هذا الملعب فقد العراق بطولة كأس فلسطين مرتين 1972 و1989 وعلى أديمه خرج العراق من تصفيات موسكو عام 1980 في مباراته الشهيرة مع الكويت، وعلى أرضه خرج من تصفيات كأس العالم 90 بمباراة دراماتيكية مع قطر عام 1989.. ناهيك عن الضياع النهائي لحلم التأهل الى مونديال كوريا واليابان 2002 يوم خسر الفريق العراقي أمام منتخب ايران على أرضه بنتيجة 1/2!..

الانجازات التي شهدها هذا الملعب كانت عبارة عن بطولات ودية احرزتها الفرق العراقية التي لعبت عليه:

بطولة الاندية العربية عام 85 أحرزها نادي الرشيد وبطولة الشرطة العربية عام 85 أحرزها نادي الشرطة وبطولة مجلس التعاون العربي 89 احرزها نادي الزوراء علما أن بطولتي الخليج الخامسة والعالم العسكرية التي أحرزها العراق تعد غير مدرجة ضمن لائحة الفيفا لتكون الحصيلة أن العراق رسميا لم يحقق أي إنجاز كبير على هذا الملعب.. الا انجازا تصفياتيا واحدا يكمن بتأهله الى نهائيات كأس الامم الاسيوية 1976في ايران عبر صدارة منتخب العراق الوطني للتصفيات التي جرت على أديمه في أواخر عام 1975.

الغريب أيضا في أمر (الشعب) أنه شهد نهايات واصابات مأساوية لعدد من لاعبينا الدوليين وهو مالم يشهدوه في مشاركاتهم الدولية الخارجية.. فعليه قُضي على مستقبل المهاجم الواعد كاظم وعل*"معلومة غير مؤكدة إن كانت الاصابة قد حصلت على ملعب الشعب أو ملعب عراقي آخر" وعلى أرضه تعرض فلاح حسن لاصابة خطيرة ابعدته عن جمهوره ليعود بعدها بنصف مستواه وعلى أرضه أيضا أصيب حبيب جعفر وعماد هاشم وعلاء كاظم اصابات قاتلة، وعليه كادت إصابة بالرأس أن تودي بحياة علي حسين شهاب.. وحفرة في أرضه أسقطت عدنان درجال في مباراة رومانيا الودية مثلما صرح هو لوسائل الاعلام وقتها، لتتفاقم اصابته تلك في المكسيك حارمة المنتخب العراقي من خدماته في المونديال.

علما أن جميع المذكورين قضوا أغلب فترات عمرهم الكروي في الملاعب الخارجية ولم يصيبوا الا على ملعب الشعب!!!!..

ناهيك على أن منزعه الخاص باللاعبين شهد حادثة الاعتقال الشهيرة للاعب الراحل بشار رشيد أثناء مباراة الشرطة والجامعة  بتاريخ20/9/1975 والتي تم بعدها إعدامه!!.

من غرائب ملعب الشعب ايضا معلومة طريفة ندرجها في أدناه:

 فعلى الرغم من كونه ملعبا  مخصصا شبه كليا لكرة القدم وقضى جل عمره بمبارياتها مع بعض الفعاليات المعدودة التي ذكرناها الا أن ما يـُشهد له أن أكبر نسبة حضور جماهيري في تاريخه شهدها ليس لمباراة كرة قدم ولكن لنزال مصارعة بين عدنان القيسي ومصارع كندي بلغت نسبة الحضور فيه الى 85 الف متفرج !!!!.

 وقد تسألونني كيف تكون هذه النسبة والملعب سعته القصوى 50 ألف فأجيب قائلا بأن النزال كان وسط حلبة صغيرة في منتصف ساحة اللعب أي أن للجمهور مساحات متاحة بالنزول الى أرضية الملعب والساحة والميدان وليست كمباريات كرة القدم بتفريغ مساحات شاسعة ناهيك عن الارضية..

هذا وقد بلغ حضور مباراة الشرطة والزوراء أوائل التسعينيات الى مايزيد عن الـ 68 الف متفرج غص بهم الملعب و40 الف متفرج خارجه.