بعد إقالة كاساس: هل يختار الاتحاد العراقي مدرباً طوارئ أم رؤية استراتيجية للمستقبل؟
إنّ العمل الارتجاليّ، الذي ينبني على قرارات فردية متسرعة، ويفتقر إلى التخطيط والدراسة المتأنية من قبل المختصين، لا محالة سيؤدي إلى نتائج سلبية. هذه حقيقة أزلية تتجلى بوضوح في مختلف مناحي الحياة، وتزداد حدتها بشكل خاص في ميادين التنافس الشديد ككرة القدم. ففي مسيرة المنتخب الوطني في التصفيات، كشفت الهزيمة الأخيرة أمام المنتخب الفلسطيني عن ضعف الأداء والنتيجة، لتكون بمثابة صرخة مدوية تستدعي وقفة تأمل عميقة في جذور المشكلة. وعليه، يتبادر إلى الذهن تساؤل جوهري: هل سنستمر في هذا النهج الارتجاليّ، ونكرر نفس الأخطاء باستنساخ الحلول الآنية الظاهرية، كاختيار مدرب طوارئ جديد يقود المنتخب، في غياب رؤية استراتيجية شاملة؟ إنّ هذا التساؤل يلامس جوهر فلسفة الفعل، حيث يصبح الخيار بين الاستمرار في دائرة مفرغة من ردود الأفعال، أو الانطلاق نحو بناء منهجي يرتكز على أسس راسخة.
فبعد إقالة المدرب كاساس، إثر خسارة خمس نقاط ثمينة من ست في الدور الرابع قبل الأخير من التصفيات المؤهلة لكأس العالم، يقع على عاتق الاتحاد العراقي لكرة القدم مسؤولية جسيمة تتجاوز مجرد اختيار بديل. إنها، بالأحرى، مسؤولية تاريخية تقتضي منهم اختيار مدرب أجنبي كفء، يتمتع لا بالخبرة الفنية فحسب، بل وبالحنكة الاستراتيجية والقدرة على قراءة المشهد الكروي المعقد، لقيادة المنتخب في المباراتين المتبقيتين، والأهم من ذلك، الإعداد الأمثل للملحق الذي أصبح أقرب للمنتخب الوطني من أي وقت مضى.
وعلى الرغم من خيبة الأمل العميقة والصدمة التي تلقاها الجمهور العراقي، فإنّ نافذة الأمل لا تزال مشرعة. فلا يزال هناك إمكانية حقيقية للعودة، بل وحتى تحقيق المعجزة بالتأهل المباشر، إذا ما تم اختيار مدرب أجنبي قدير، يمتلك رؤية ثاقبة وقدرة فائقة على توظيف اللاعبين بشكل صحيح، واستخراج أفضل ما لديهم. فالمشكلة، في جوهرها، ليست في جودة اللاعبين، بل في كيفية استغلال وتوظيف قدراتهم الكامنة بالشكل الأمثل، وتحويلهم إلى قوة متجانسة قادرة على تحقيق الأهداف.
يجب التأكيد، إذن، دون مواربة أو تجميل للحقائق، على أن الاتحاد العراقي لكرة القدم والمدرب كاساس يتحملون مسؤولية مشتركة في الوصول إلى هذه المرحلة الحرجة. فمن جهة، ساهمت الخلافات المستمرة بين أعضاء الاتحاد، والتي تعكس غياب رؤية موحدة وتآزر حقيقي، ومن جهة أخرى، ساهمت التصريحات غير المسؤولة التي صدرت من بعض اللاعبين، والتي تشي بضعف الانضباط والروح الجماعية، بشكل مباشر في تدهور الأوضاع وتفاقم الأزمة. إنّ هذا الواقع المرير يستدعي مراجعة شاملة للأسس التي يقوم عليها العمل المؤسسي للمنتخب.
ختاماً، إنّ اختيار مدرب كفء ليس مجرد حل تكتيكي، بل هو خطوة ضرورية نحو إعادة بناء الثقة وإرساء أسس متينة للمستقبل. وتوحيد الصفوف بين أعضاء الاتحاد واللاعبين ليس مجرد شعار، بل هو شرط أساسي لتجاوز هذه الأزمة وتحقيق حلم التأهل لكأس العالم، الذي يمثل حلماً يراود كل عراقي. وبالتالي، فإن الكرة العراقية، بتاريخها العريق وإمكانياتها الكامنة، بحاجة ماسة إلى رؤية جديدة، تعتمد على التخطيط السليم والعمل الجماعي المتناغم، بدلاً من الارتجالية والتخبط الذي لا يقود إلا إلى مزيد من الانتكاسات.